البراري يكتب: العلة والحل
حسن البراري
1. لن أقدم في هذه العجالة نصيحة بقبول أو رفض خطة ترامب المقترحة، لكن من الضروري أن نستوعب الأسباب الموضوعية لاختلال موازين القوى (ليس فقط قوة إسرائيل أو تماهِي واشنطن معها بل علة أعمق تتجسد في فوضى وانقسامات وغياب مؤسساتي فعال داخل النظام العربي وفي الممثل الفلسطيني نفسه). وهذا على وجه الخصوص ما يمنع تفعيل أي رافعة عربية قادرة على مواجهة أو حتى موازنة الضغوط الخارجية. وعليه، تضع هذه الفوضى الشريك العربي في موقف التابع بدلاً من الفاعل.
2. الوجود العسكري الأميركي في المنطقة واسع ومتنوع، ويشمل قواعد دائمة ومنشآت تشغيلية في عدة دول خليجية وعربية — هذا عامل جيو-استراتيجي حقيقي يؤثر في ميزان القوى.
3. على صعيد الخطط العربية، تطرح بين الحين والآخر أفكار لإنشاء قوة عربية مشتركة "شبيهة بناتو" أو أنظمة تعاون دفاعي إقليمي، لكنها اصطدمت بالصعوبات العملية (هيكل قيادة، موثوقية، تفاوت القدرات، والسياسات الخارجية المختلفة، تنافس الأنظمة العربية، وتبعية عامة لواشنطن).
ما هو الحل؟
1. بناء منظومة أمنية عربية متكاملة قائمة على شراكات متعددة الأطراف مع فاعلين غير أميركيين في مجالات التدريب والتسليح والاستخبارات.
2. اتخاذ الخطوة الاستراتيجية الكبرى المتمثلة في التدرج في تقليص الاعتماد على القواعد الأميركية، عندها فقط يمكن خلق قوة عربية عملية ومستقلة يمكن لها إحداث نوع من الردع السياسي ضد صانعي القرار في واشنطن وتل-أبيب.
3. تخليص دول مثل الأردن ومصر من المساعدات الأمريكية وهذا يتطلب دعم عربي لهاتين الدولتين لتمكينهم من التخلص من الديون وبناء القدرات بعيدا عن واشنطن التي لا تقدم المساعدات لوجه الله تعالي، فهي ليست جمعية خيرية وإنما تمثل المساعدات بالنسبة لها أحد أهم عناصر الضغط والتحكم.
4. إيجاد اطار سياسي مشترك، لا أتحدث هنا عن وحدة عربية وإنما تأسيس مجلس أمني عربي أعلى (تحت مظلة جامعة الدول أو آلية بين-حكومية) يقر استراتيجية أمنية إقليمية ومبادئ للتدخل الجماعي، مع قواعد اشتراك واضحة.
5. بناء قوة ردع مشتركة تدريجيًا، أي وحدات تدخل سريع، قوة بحرية مشتركة، منظومة دفاع صاروخي إقليمية تدار تعاونيًا، مراكز استخبارات إقليمية لتبادل المعلومات العسكرية-السيبرانية.
6. شراكات تسليح وتدريب غير أميركية مع ما يتطلبه ذلك من فتح قنوات مع روسيا والصين وباكستان وتركيا لأغراض تدريبية وتسليحية وبناء صناعات دفاعية إقليمية. طبعا، الفكرة هنا ليست لخلق تبعية جديدة بل تنويع مصادر القوة
7. استراتيجية للمطابقة التقنية والتشغيلية، وما يتطلبه من وضع معيار موحد للاتصالات، تدريب مشترك سنوي، وتقييم جاهزية سنوي يحدد ما يمكن تسليمه من مهام إقليمية.
8. خطة زمنية لتقليص وجود القواعد الأميركية، وهذا يستلزم ترتيب سياسي-قانوني مع الدول المستضيفة للقيام بسحب التصاريح تدريجيًا مع ضمانات متبادلة، وتسليم بعض المنشآت لصالح قوات عربية مشتركة أو للحكومات المضيفة.
شروط نجاح الخطة
1. توافق سياسي عربي (تجاوز النزاعات الثنائية).
2. تمويل مستدام (موازنة دفاعية إقليمية + استثمارات في صناعات دفاعية محلية).
3. توافق استراتيجي مع الفاعلين الإقليميين الكبار (مصر، السعودية، الجزائر، العراق، الإمارات، وربّما تركيا عبر قنوات منفصلة إذا أمكن تخفيف التوتر).
4. استعداد للمخاطرة الدبلوماسية والقدرة على مواجهة ردّ فعل أميركي إقتصادي أو سياسي محتمل، لذلك يجب أن تكون الخطوات محسوبة ومتدرجة.
المخاطر والاعتراضات المتوقعة
1. فصل قواعد أميركية بالقوة أو دفعة مفاجئة سيؤدي إلى فراغ أمني واستهداف اقتصادي ودبلوماسي. لذلك الخروج يجب أن يكون مدروسًا وبوتيرة تضمن بدائل وحلول تحفظ الحد الأعلى من الاستقرار.
2. احتمالية استغلال القوى الكبرى للانقسامات بين الدول العربية لإجهاض المشروع ، لذا أهمية وحدة القرار وتدرج الثقة.
بالبلدي!!!
لن نقيم نجاح المشروع ببساطة على رفض أو قبول خطة محددة، بل على قدرتنا على إصلاح النظام العربي والنظام الفلسطيني بحيث يتحولان من مجموع كيانات متفككة إلى فاعل جماعي قادر على إنشاء منظومة أمنية مستقلة. لأن بناء منظومة من هذا النوع (مع تنويع الشركاء وتدرّج إخراج القواعد الأميركية) هو السبيل الأكثر فعالية وواقعية لكسر فقاعـة الاعتماد على واشنطن/تل-أبيب. وإلاّ سنبقى في «أكذوبة الشراكة» التي لا تحمينا من قرار خارجي مفاجئ أو حرب تفرض علينا.