تحذيرات من تضخم القروض العقارية وارتفاع الفوائد… دعوة للبنك المركزي للتدخل

 

•    تحسن نسبي في التداول العقاري… ولكن المؤشر الأهم هو المبيعات
•    5.7  مليار دينار قروض عقارية تستهلك نصف دخول المقترضين
•    تراكم الفوائد وتأجيل السداد يقودان إلى شبح التعثر
•    ديون متعثرة تقترب من ملياري دينار تهدد استقرار المنظومة
•    انعكاسات سلبية على الاستهلاك والقطاعات الحيوية
•    تضخم عند 1.86% يثير التساؤلات حول جدوى الفوائد المرتفعة
•    دعوات لإعادة ضبط السياسة النقدية وخفض أسعار الفائدة
•    البنوك مطالبة بمبادرات مستقلة لتخفيف الكلف على المقترضين
•    تجربة كورونا تثبت فعالية خفض الفوائد في تحريك الاقتصاد


قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن النقاش حول واقع القطاع العقاري في الأردن لم يعد مقتصرًا على رصد حركة التداول أو المقارنة مع الأعوام السابقة، وإنما أصبح يتجاوز ذلك إلى مساءلة جوهرية تتعلق بمؤشرات المبيعات العقارية، التي تعدّ التعبير الأصدق عن دينامية السوق وقدرته على مواصلة النمو.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه ورغم تسجيل تحسن نسبي في حجم التداول خلال النصف الأول من العام، إلا أن الصورة الكاملة تكشف عن ضعف هيكلي ناجم عن تداخل عنصرين أساسيين هما استمرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، وتضخم حجم القروض العقارية التي باتت تستهلك القسم الأكبر من دخول المقترضين.

"الأرقام لا تترك مجالًا للالتباس؛ إذ يبلغ إجمالي القروض العقارية الممنوحة للأفراد نحو 5.7  مليار دينار، أي ما يعادل 41%  من إجمالي قروض الأفراد التي تتجاوز 14 مليار دينار"، وفقًا لما جاء على لسان عايش، مضيفًا أن هذا الثقل المالي يضع المقترضين أمام معادلة قاسية، حيث تبتلع الأقساط الشهرية ما بين 40% و55% من صافي دخولهم، في وقت تشهد فيه الأسر التزامات موازية متزايدة تشمل تكاليف التعليم والرعاية الصحية والاستهلاك الأساسي، ومن ثمّ، فإن أي تأجيل متكرر للسداد، كما حدث لمرات متتالية في السنوات الماضية، لا يؤدي إلا إلى تضخيم حجم الدين وتراكم الفوائد المترتبة عليه، ما يدفع شريحة واسعة نحو حافة التعثر.

وأشار إلى أن حجم الديون المتعثرة يقترب اليوم من 1.9  مليار دينار، أي ما نسبته نحو 6% من المحفظة الائتمانية الكلية، وهو رقم قد يبدو محدودًا نسبيًا من زاوية النسبة، لكنه من حيث القيمة المطلقة يضع النظام المالي أمام تحدٍ ثقيل الوطأة، فحين يعجز المقترض عن الاستمرار في السداد، يصبح العقار المرهون هو الضمان الأخير، فتضطر البنوك إلى الاستحواذ عليه عبر مسارات قانونية، غالبًا ما تنتهي ببيع العقار في المزاد بقيمة تقلّ عن أصل الدين، ما يعني خسائر مزدوجة للبنك والمقترض على حد سواء.

ونوّه عايش إلى أن هذا الواقع يتسرب أثره إلى البنية الاقتصادية الأوسع، إذ إن تحول جزء معتبر من دخول الأسر إلى سداد القروض والفوائد بدلًا من توجيهه للاستهلاك المباشر، أسهم في تباطؤ ملحوظ في قطاعات حيوية كالألبسة، والأحذية، وحتى المواد الغذائية، وهو ما يعزز القناعة بأن السياسة النقدية الصارمة في مستويات الفائدة لم تعد مجرد خيار تقني، وإنما تحولت إلى عامل مثبط للنمو الاقتصادي الكلي.

ومن المفارقات أن معدل التضخم المحلي، الذي لم يتجاوز 1.86%، يقل عن المستوى المستهدف من قبل الفيدرالي الأميركي (2%)، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جادة حول جدوى استمرار الإبقاء على الفوائد المرتفعة دون مرونة، ومن هنا، يذهب خبراء الاقتصاد إلى الدعوة الصريحة بأن يمارس البنك المركزي الأردني دورًا أكثر حيوية في إعادة ضبط أسعار الفائدة، على الأقل عبر تخفيضات تدريجية ربع أو نصف نقطة مئوية، بما يسمح بفتح هوامش جديدة للحركة الاقتصادية، كما أفاد.

وشدد عايش على أن القطاع المصرفي قادر – بل مطالب – بأن يبادر من تلقاء نفسه إلى تخفيض الفوائد على القروض العقارية، حتى دون انتظار قرارات رسمية، إدراكًا لخطورة تحول المعادلة الحالية إلى معادلة "رابح – خاسر"، حيث تربح البنوك على المدى القصير وتخسر المنظومة الاقتصادية بمجملها على المدى الطويل.

ولفت الانتباه إلى أن التجربة السابقة خلال جائحة كورونا ما تزال ماثلة للعيان، حين أسهم خفض الفوائد بما يقارب 1.5% في تخفيف وطأة الانكماش وتحريك عجلة الاقتصاد، وعليه، فإن الدرس المستفاد هو أن أدوات السياسة النقدية صمامات توازن بين الاستقرار المالي والحراك الاقتصادي، وأن المرونة في إدارتها اليوم قد تشكل صمام أمان لمستقبل القطاع العقاري وركيزة لدعم تنافسية الاقتصاد الوطني.