معضلة تصنيف الأحزاب في الأردن... العياصرة يجيب "أخبار الأردن"
قال المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة إنّ الجدل الدائر حول تصنيف الأحزاب السياسية بين يمين ووسط ويسار لا يُعدّ اجتهادًا أردنيًا محليًا، ولا بدعة سياسية آنية، وإنما انعكاسًا لإسقاطات حزبية عالمية استقرت معاييرها عبر قرون وبالممارسة العملية وفق التفاعلات الفكرية والسياسية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية ، مستندة إلى محددات معيّنة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ هذا التصنيف يرتبط جذوره بالثورة الفرنسية عام 1798، حين اصطف المؤيدون للملك في مقاعد الجهة اليمنى لمجلس الأمة الفرنسي، فأضحى اليمين مرادفًا لدعم السلطة الحاكمة والحفاظ على امتيازاتها، بينما جلس دعاة التغيير في الجهة اليسرى، ليكرّسوا ثنائية متعارضة بين المحافظة والتجديد، وبين حماية مصالح الطبقات العليا والدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والكادحة، في حين ارتبطت الأحزاب الوسطية تقليديًا بالطبقة الوسطى بوصفها الحامل الاجتماعي للتوازن.
وأشار العياصرة إلى أنّ هذا الإطار المعياري لا يزال صالحًا للتطبيق على الواقع الأردني، مع بعض التعديلات التي يفرضها السياق المحلي، مبينًا أنّ حزب المحافظين الأردني يمثّل النموذج اليميني بامتياز، كونه يمانع التحولات السياسية، ولا يقبل بالانفتاح إلا في حدوده الدنيا، ويميل إلى المحافظة الاجتماعية والسياسية في آن واحد، وفقاً لأسباب يسوقها ومبررات كثيرة يراها.
في المقابل، أوضح أنّ حزب جبهة العمل الإسلامي لا يمكن إدراجه في خانة اليمين كما يحلو للبعض أن يصنّفه، فهو يقع - وفق المقاييس العالمية لتصنيف الاحزاب - في نطاق الوسط، كونه حزبًا وطنيًا ذا مرجعية إسلامية، ينادي بالإصلاح السياسي، وتوسيع نطاق الحريات العامة، وفتح المجال أمام التغيير التدريجي والآمن، وهو ما يجعله أقرب إلى النموذج الأوروبي للأحزاب المسيحية الديمقراطية التي تصنف اوروبيا بأنها احزاب وسطية.
أحد الوان أحزاب اليمين هي الأحزاب المتطرفة والمتشددة، وهذا لا ينطبق على الإطلاق على حزب جبهة العمل الإسلامي الذي لا يتبنى العنف ولا فرض الرأي بالقوة ، بل هو على العكس تماما فهو يؤمن بالتعددية وقبول الرأي الآخر بناء على توسيع مساحات الحريات على مختلف أشكالها من غير إكراه .
ولفت العياصرة الانتباه إلى أنّ الأحزاب اليسارية في الأردن والعالم العربي تتسم بهوية أكثر وضوحًا، إذ تنادي بصورة دائمة بالتغيير السياسي، والانفتاح المجتمعي، ومحاربة التفاوت الطبقي، بينما تأتي الأحزاب القومية في موقع ملتبس يصعب تثبيتها ضمن خانة واحدة، فهي قد تميل إلى اليمين أو الوسط أو اليسار تبعًا للشعارات التي ترفعها والبرامج التي تتبناها في كل بلد.
واستطرد قائلًا إنّ أي محاولة جادة لتصنيف الأحزاب السياسية ينبغي أن تستند إلى هذه المرجعيات التاريخية والمعايير الفكرية الراسخة، لا إلى أحكام انطباعية أو توصيفات ارتجالية، مشيرًا إلى أنّ القراءة الدقيقة لهذه الخارطة ضرورية لفهم ديناميات العمل الحزبي وتوازناته داخل المجتمع الأردني.