خبير اقتصادي يدق ناقوس الخطر بشأن أسعار الإيجارات والأراضي
قال الخبير الاقتصادي جواد مصطفى إنّ أزمة ارتفاع أسعار الإيجارات والأراضي في الأردن تُمثّل واحدة من أعقد الأزمات التي تنعكس بصورة مباشرة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المستويات المتصاعدة للإيجارات تلتهم نصف أو ثلثي دخول الموظفين وتُجهض معظم أرباح المحلات التجارية، فيما تصل أسعار الأراضي السكنية والتجارية والصناعية والزراعية إلى مستويات وُصفت بكونها "خيالية"، مضيفًا أن ذلك أصبح مؤشرًا على خلل هيكلي في نظام ملكية الأرض وإدارتها، وليس انعكاسًا لقوانين العرض والطلب.
وبيّن مصطفى أن جوهر الإشكالية يتمثل في أن الدولة لم تنجح في توفير الأراضي السكنية والاستثمارية للمواطنين بأسعار عادلة أو بآليات تمكّن من الوصول إليها بشكل منصف، الأمر الذي فتح الباب أمام أنماط احتكارية في تداول الأراضي وعقود الإيجار، وبذلك، تحولت الأرض من موردٍ مجتمعي يجب أن يُوظف لخدمة التنمية والإنتاج إلى سلعةٍ استثمارية تُتاجر بها فئة محدودة، فتضاعفت الفجوة الطبقية بين من يملك الأرض ومن لا يملك سوى قوة عمله.
ونوّه إلى أن هناك دول تتعامل مع الأرض كملكية عامة وتمنح حق الاستخدام طويل الأمد للأفراد والقطاع الخاص، مثل الصين، وهو ما يحول دون تحوّل الأرض إلى أداة مضاربة ويضمن بقاء أسعارها في حدود معقولة، أما في الأردن، فإن الاعتماد المطلق على الملكية الخاصة للأرض وغياب سياسة إسكانية مستدامة أدّيا إلى تضخم أسعار العقارات وارتفاع الإيجارات إلى مستويات غير قابلة للاستمرار اقتصاديًا واجتماعيًا.
ومن منظور الاقتصاد السياسي، فإن احتكار الأراضي والتجارة بها يمثّلان نشاطًا اقتصاديًا غير منتج يراكم الثروة في أيدي قلة دون أن يضيف قيمة حقيقية للناتج المحلي الإجمالي، مستطردًا أنه يفاقم الفقر ويقوّض الطبقة الوسطى التي تشكل ركيزة الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولعل أخطر ما في الأمر أن استمرار هذا الوضع يجعل السكن – وهو حق أساسي – عبئًا وجوديًا يهدد تماسك المجتمع وقدرة الاقتصاد على النمو.
ولفت مصطفى الانتباه إلى أن الحل الجذري يكمن في إعادة هيكلة سياسة الأرض والإسكان من خلال إنشاء مدن جديدة مخططة، وتخصيص أراضٍ سكنية واستثمارية بنظام "حق الاستخدام" طويل الأمد، بما يكفل للمواطنين والأجيال القادمة الوصول إلى السكن والاستثمار دون أن يقعوا أسرى للمضاربة العقارية، مردفًا أنه في حال تطبيق هذا النموذج، فإن أسعار الأراضي في المدن القديمة ستنهار بنسب قد تتجاوز 90%، بينما ستتراجع الإيجارات تلقائيًا خلال فترة لا تتجاوز خمس سنوات بنسبة تتراوح بين 70 و80%.
وذكر أن التحدي يمتد إلى البنية القيمية والاجتماعية، فالأرض في المفهوم الديني والفلسفي مورد مشترك للمنفعة العامة، والإنسان مستخلف فيها بقدر حاجته وانتفاعه، متابعًا أن استحضار هذه القيم إطارًا مرجعيًا للسياسات يمكن أن يوفّر قاعدة أخلاقية وتشريعية لإصلاح النظام العقاري ومنع تحوّله إلى أداة إفقار وتهميش
وأوضح مصطفى أنه لا يمكن معالجة أزمة الإيجارات وغلاء الأراضي دون مراجعة جذرية لنظام الملكية وسياسات التخطيط العمراني، وإلا فإن النزيف الاقتصادي والاجتماعي سيستمر، وسيبقى المواطن الأردني عالقًا في حلقة مُفرغة بين راتبٍ يذهب معظمه للإيجار، وسوقٍ عقاري يستنزف طاقاته ويقوّض استقراره.