العتوم يكتب : توقيت الاعتراف بالدولة الفلسطينية: قنبلة سياسية وأمنية تهدد الاردن

 

د. نبيل العتوم

يمثل الاعتراف الدولي المتسارع بدولة فلسطينية ليس مجرد تحول رمزي أو خطوة دبلوماسية تقليدية، بل متغيراً استراتيجياً قد يعيد رسم معادلات الصراع في المنطقة. غير أن خطورة  الاعتراف تكمن في أنه يأتي بلا آلية تنفيذية واضحة لترجمته إلى واقع على الأرض، ما يفتح الباب أمام فراغ سياسي وأمني قد تستغله إسرائيل لصالحها، ويضع الأردن في صدارة المتأثرين سلباً بهذا المسار. فبالنسبة للأردن، الدولة الأكثر التصاقاً جغرافياً وديموغرافياً بالقضية الفلسطينية، فإن غياب ترجمة عملية لهذا الاعتراف يعيد إنتاج المخاطر ذاتها التي طالما واجهتها عمّان: تهديد الهوية الوطنية، استنزاف القدرات الأمنية والعسكرية، وتعريض استقراره الداخلي لارتدادات الصراع.

ولعل أبرز التحديات التي تترتب على هذا الاعتراف تتعلق بالجانب السياسي، حيث يجد الأردن نفسه أمام معادلة شديدة الحساسية بين دعمه التاريخي للحقوق الفلسطينية، وحاجته في الوقت ذاته للحفاظ على توازنه الداخلي، وتجنب ضغوط إسرائيلية وأمريكية متوقعة ؛ فبينما يَظهر الاعتراف كخطوة داعمة للفلسطينيين، إلا أنه من دون إطار تطبيقي، قد يعيد إحياء الطروحات الإسرائيلية القديمة لاستغلال الحدث  لتحريك ورقة  "الوطن البديل"، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً للهوية الوطنية الأردنية وللتوازن الديمغرافي داخل المملكة، ومما يساعد على ذلك  غياب آلية واضحة لتنفيذ الاعتراف ؛  ما قد يفتح المجال أمام تصعيد ميداني وفرصة إسرائيلية على الأرض الفلسطينية، وهو تصعيد لن يبقى معزولاً عن الأردن. فالقرب الجغرافي، والتداخل السكاني، والارتباط العشائري والاقتصادي يجعل أي انفجار عسكري في الضفة الغربية قابلاً للانتقال بسرعة إلى الحدود الأردنية. هنا، يجد الجيش الأردني نفسه أمام تحديات مزدوجة: من جهة تعزيز الجبهة الشرقية في مواجهة تهديدات إسرائيلية محتملة، ومن جهة أخرى ضبط الحدود الغربية لمنع أي فوضى أو تسلل قد يُخل بالأمن الداخلي.

وإذا كان التحدي العسكري واضحاً، فإن البعد الأمني والاستخباري أكثر تعقيداً. فالأردن قد يواجه ضغوطاً متزايدة مع احتمالية تنامي نشاط جماعات مسلحة أو فصائل  شبحية انشأها الموساد للعبث بالأمن الاردني ونشر الفوضى.. إلى جانب تحريك ورقة الجنوب السوري.. هذا السيناريو يفرض على الأجهزة الاستخبارية الأردنية مراقبة دقيقة لأي تحركات غير تقليدية قد تُستغل لإشعال الساحة الداخلية أو استخدامها كورقة ضغط على الدولة الأردنية، ما قد يضع عمّان في مواجهة معضلة مزدوجة: الحفاظ على أمنها الداخلي مع تجنب الانزلاق و الحد من أية  مواجهة مباشرة مع تل أبيب، الى جانب ممارسة أقصى درجات الاستعداد لمحاولة تفجير إسرائيل لملفات الضفة والجنوب السوري .

وبالانتقال إلى البعد الاستراتيجي الأوسع، فإن الأردن قد يجد نفسه في وضع صعب بين محاور متباينة: من جهة ضغوط غربية وإسرائيلية لاحتواء آثار الاعتراف من جهة ، ومن جهة أخرى مطالب داخلية وشعبية للذهاب أبعد في دعم الفلسطينيين. هذه المعضلة تجعل من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ـ من دون إطار واقعي وعملي ـ أشبه بـ "قنبلة موقوتة" بالنسبة للأردن، قادرة على إعادة خلط أوراقه السياسية والأمنية والعسكرية في وقت واحد.

إن خطورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذن، لا تكمن في الفعل ذاته، بل في غياب آلية واضحة لتفعيله على الأرض، وكيفية استغلال وتوظيف إسرائيل  لهذا التطور ..ما يترك الأردن عرضة لاحتمالات متعددة، جميعها محفوفة بالمخاطر. ومن هنا، فإن الخيار الأكثر عقلانية لعمّان يكمن في الدفع نحو مسار تفاوضي واقعي، وألية تنفيذية، وقرار مجلس أمن ملزم يضمن قيام الدولة الفلسطينية ضمن ترتيبات أمنية وسياسية متفق عليها، وبضمانات وتعهدات امريكية وغربية جاده وحقيقية وغير قابلة للتراجع، ومظلة دولية لحماية الشعب الفلسطيني بدل ترك الأمور للفراغ الذي قد يُستغل ضدها.