الدباس يكتب: هل يخدم التقارب الأردني مع قطر …في زيادة القدرة على مواجهة إسرائيل ؟
الدكتور محمود عواد الدباس
1/5
الزيارة التي قام بها سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى الأردن يوم أمس الأربعاء في السابع عشر من الشهر الجاري، في ظل هذه الظروف الحساسة عربيًا وإقليميًا، من المأمول منها أن تساهم في خدمة الأردن سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، من أجل زيادة قدرة الدولة الأردنية في مواجهة إسرائيل. بكل تأكيد، توجد عوامل كثيرة قد تساعد على تحقيق هذا الهدف. فمن الناحية السياسية، فإن دولة قطر يمكن أن تكون جسر التواصل العميق بين الأردن، مع الدول والمنظمات التالية: (إيران، تركيا، حركة حماس، والنظام السوري الجديد). نعم، إن الأردن له علاقات دبلوماسية مع إيران، لكن علاقة قطر مع إيران أقوى. نعم، إن الأردن تربطه علاقات دبلوماسية مع تركيا، لكن علاقة قطر مع تركيا أقوى. نعم، إن علاقة الأردن مع النظام السياسي الجديد في سوريا جيدة، لكن علاقة قطر مع النظام السياسي الجديد في سوريا أقوى ولها نفوذ كبير داخل سوريا لأسباب مالية واستثمارية. نعم، إن الأردن يخدم القضية الفلسطينية بجهود عزّ نظيرها، ويقف إلى جانب أهالي غزة، لكن العلاقة الأردنية مع حركة حماس ضعيفة جدًا أو معدومة، بينما علاقة قطر مع حركة حماس في قمة أوجها، فهي مقر المكتب السياسي للحركة. بالتالي، وبما أن كل تلك الدول والمنظمات، وهي (إيران، تركيا، النظام السياسي الجديد في سوريا، وحركة حماس)، تربطها علاقات عداء أو توتر مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته، تشهد العلاقة الأردنية الإسرائيلية توترات متزايدة نتيجة ما تقوم به إسرائيل في غزة والضفة الغربية ومدينة القدس. لكنها لم تصل إلى مرحلة الصدام العسكري أو الأمني بينهما، فلا يزال ذلك احتمالًا ضعيفًا إلى الآن. لكن استنادًا إلى قول الملك عبدالله الثاني في قمة الدوحة: "إن الخطر الإسرائيلي لا حد له"، فإن المصلحة الأردنية العليا، من وجهة نظري، تتطلب أن يكون هناك حلقة وصل غير مباشرة بين الأردن من جهة، مع الأطراف المعادية أو التي تشهد توترًا في علاقتها مع إسرائيل من جهة أخرى، من أجل زيادة قوة الموقف السياسي الأردني، فقد نحتاج إلى ذلك قريبًا أو في أي لحظة. لذلك، فإن حلقة التواصل المناسبة مع تلك الأطراف هي قطر.
2/5
نذهب إلى الأسباب الاقتصادية التي تمكّن دولة قطر من دعم الأردن من أجل تقليل اعتماده على استيراد الغاز الإسرائيلي، وذلك عبر قيام دولة قطر بتزويد الأردن بكامل أو جزء من احتياجاته من الغاز، تحسبًا لاحتمال قيام إسرائيل بقطع إمدادات الغاز عن الأردن بهدف إخضاعه لفرض قرارات معينة. أما الأسباب الإعلامية التي تمكّن دولة قطر من دعم الأردن في مواجهة الإشاعات والافتراءات الإسرائيلية المتزايدة تجاه الأردن، فهي تأتي من امتلاك دولة قطر لقناة الجزيرة، والتي يمكن عبرها عرض المواقف الأردنية المخلصة في نصرة الشعب الفلسطيني والرد على الشائعات والافتراءات الإسرائيلية.
3/5
في العودة إلى الوراء وعبر الثلاثة عقود الماضية، فقد تعرضت العلاقات الأردنية القطرية إلى توترات عديدة لأسباب متعددة، أبرزها الخلاف الخليجي-الخليجي الذي وقع لعدة سنوات، ثم موقف دولة قطر الداعم لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت علاقتها مع الدولة الأردنية متذبذبة، وكذلك موقف دولة قطر الداعم للحراك الشعبي أيام الربيع العربي وما بعده داخل الأردن، إضافة إلى الدور التشكيكي الذي قامت به قناة الجزيرة القطرية بما يخص مواقف الأردن مما يحدث في غزة والضفة الغربية. في الذاكرة أيضًا أن الأردن، وكرد فعل منه على ذلك، قام بإغلاق قناة الجزيرة ثلاث مرات على مدار الثلاثة عقود الماضية لعدم عرضها الحقائق بمهنية. أما اقتصاديًا، فلم تنجح محاولة الأردن لاستيراد الغاز القطري كخيار بديل لانقطاع الغاز المصري عن الأردن. لذلك، ذهب الأردن نحو استيراد الغاز من إسرائيل بشكل كبير عبر شركة أميركية مع الاعتماد على منتج محلي اردني بنسبة قليلة. لقد كان لكل تلك الأحداث السابقة، سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، تأثيرًا سلبيًا على العلاقة بين الدولتين، لكن كان يتم في كل مرة تجاوز ما حدث والبدء من جديد.
4/5
اليوم، تشهد العلاقات الأردنية القطرية بداية جديدة، وقد كانت المبادرة من الأردن حينما سارع إلى إعلان التضامن مع قطر منذ الساعات الأولى من وقوع العدوان الإسرائيلي على ضيوفها ومس سيادتها في التاسع من الشهر الجاري. ثم جاءت في اليوم التالي زيارة سمو ولي العهد الأمير حسين إلى قطر لتأكيد التضامن الأردني مع دولة قطر. ثم جاءت كلمة التضامن الحادة جدًا مع قطر من خلال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مجلس الأمن، ثم كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة الدوحة، التي عقدت في منتصف الأسبوع الحالي والتي أكد فيها أن أمن قطر هو أمن الأردن. لذلك، فإنني أرى أن الزيارة القطرية إلى الأردن والتي تمت يوم أمس الأربعاء، والتي جاءت بعد يومين اثنين من انعقاد قمة الدوحة، فإنها تأتي من أجل البدء في الدخول في مرحلة جديدة حقيقية دائمة ثابتة في العلاقة بين البلدين سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا. سياسيًا، كما ذكرت في بداية المقالة عبر الاعتماد على دولة قطر كحلقة وصل بين الأردن من جهة وكافة الأطراف التي تعادي إسرائيل أو التي تشهد توترًا في علاقتها معها من جهة أخرى. واقتصاديًا، عبر تزويد الأردن بكامل أو جزء من احتياجاته من الغاز عبر الخط اللوجستي الذي يمر عبر الأردن ويزود سوريا باحتياجاتها من الغاز القطري منذ شهر مارس الماضي من هذا العام، مع تطوير البنية التحتية داخل الأردن في محطة العقبة لزيادة القدرة على تحقيق هذا الغرض. على أن يحصل الأردن على الغاز القطري كمنحة مجانية لجزء منه وبسعر تفضيلي لجزء آخر منه. أما إعلاميًا، فيتم عبر تسخير قناة الجزيرة لخدمة المواقف السياسية الأردنية في مواجهة إسرائيل.
5/5
ختامًا، وحيث أن أبرز عناوين السياسة الخارجية الأردنية هي المرونة والتفاعل الإيجابي مع المستجدات، إضافة إلى اتباع أسلوب الحلول التوافقية والعمل مع كل دولة أخرى بما يخدم المصالح العليا للطرفين، فإن تقوية العلاقة الأردنية القطرية سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا تأتي نتيجة قناعة الطرفين بأن مصلحتهما أصبحت تكمن في تقوية بعضهما البعض أمام دولة واحدة هي إسرائيل التي تريد إضعاف الجميع! بكل تأكيد، إن هذا التقارب بين الأردن وقطر، إذا تحقق وفقًا لرؤيتي الشخصية المنشورة في هذه المقالة، فإن هذا التقارب سيكون موجهًا ضد إسرائيل فقط، مع ضرورة الإشارة هنا إلى وجود تحفظ أو حساسية غير معلنة من بعض الدول على الصعيدين العربي والإقليمي من تقوية العلاقة الأردنية القطرية لأسباب مختلفة؟