العياصرة تكتب: الردع الداخلي هو الحائط الأخير للأردن

 نيفين العياصرة 

الوضع في المنطقة يتجه إلى سيناريوهات أكثر خطورة والكل يرى أن المرحلة المقبلة لم تعد محصورة في غزة أو الضفة فقط انما قد تتسع دوائرها لتطال أطرافا أخرى، الأردن جزء من هذه المعادلة وليس بمنأى عن محاولات الزعزعة لأن موقعه وتاريخه يجعلاه هدفا جغرافيا ونفسيا في آن واحد.


لن يأتي الاستهداف بصيغة تقليدية، إنما عبر خطوط دقيقة جدا هزّات اقتصادية تفاقم الجوع والقهر، وفتن تشعلها أصابع داخلية مدفوعة بأجندات خارجية وحوادث تصنع لتبرير تحولات سياسية أو أمنية، كل هذه الأدوات صارت اليوم بمتناول من يريد تنفيذ مشروع تفكيك الدولة دون الحاجة لخرائط.


الاقتصاد هو البوابة الأسهل نحن لسنا أمام أرقام جافة فحسب انما أمام حياة تقاس بمديونية وضغوط على الأسواق وجيوب المواطنين، هزة مالية صغيرة اليوم وثقة تسحب غدا تكفي لفتح أبواب الفوضى، من يقرأ المشهد يعرف أن الضغط على مفاصل الاقتصاد هو المدخل لزلزلة الجسد السياسي كله.


أما الفتنة الداخلية فهي السلاح الأكثر دموية لأنه يعمل من الداخل، زرع الشكوك واستنساخ الخصوم داخل البيت وإعادة إنتاج خطوط القطب الواحد التي تقتل الحوار هناك من يسعى لاستعمال وجوه سياسية سابقة كوقود لاحتراق داخلي ليس لتحقيق إصلاح إنما لإشاعة الفراغ الذي يملأه الآخر هنا تكمن الخيانة الأشد خطورة من يبيع وطنه تحت شعار التغيير لا يبتاع سلامة إنما يبتاع خرابا.


والحادث الأمني هو الخطف المثالي للإرادة الوطنية حادث صغير يضخم إعلاميا ليسوق لاقتراحات حلول تقوض الحريات وتبرر تدخلات لا تخدم إلا من يربح من الفوضى، الحدود قابلة للاختراق إعلاميا قبل أن تكون عسكريا والحدث المصمم جيدا يستطيع قلب ميزان القوى وتحويل الشارع إلى ساحة قرارات مفروضة.

العلاقة مع الجوار ليست بأمانة مطلقة، أمثلة الإقدام على ضرب معاقل داخل دول ذات سيادة واستهداف شخصيات حتى في عمق العواصم ولنا في ذلك قطر مثال، تقول إن قواعد الاشتباك تغيرت من يظن أن حصانات المكان تبقى صامدة في وجه أدوات جديدة هو مخطئ، الأردن جزء من الحساب ولا مجال للتسامح مع وهم الحماية المطلقة.


الخوف اليوم ليس من أسلحة أو قواعد إنما من مجندين داخل ربوعنا وخطر عمليات قادمة قائم وعليه علينا أن نحتاط وأن يكون كل فرد على وعي ودور في الحفاظ على تماسك الوطن ليظل الردع الداخلي أقوى جدار أمام أي محاولة تفكيك أو زعزعة.


الردع الحقيقي لا يبنى على تهديدات رنانة أو بيانات مكتوبة فحسب إنما على تماسك داخلي واضح، على شعب يعرف أن الدولة ليست رمزا إنما فعل حين تتهاوى الروابط بين المواطن والمؤسسة حينها يزول السقف الذي يصد الصدمات ويصبح البلد مادة سهلة للتقسيم والاستغلال لذلك يجب أن تكون الأحزاب والهيئات المدنية ليست مرايا إنما دروع تعمل وتردع وتربط ليست لتعزيز الخلاف إنما لشفائه

اللحظة تستدعي صراحة أقل كلاما وأكثر فعل ووضوحا في المسؤوليات، أمن اقتصادي سريع وإجراءات شفافة فورية وشبكات مجتمعية قادرة على احتواء الصدمات ليس الوقت للاختباء خلف شعارات إنما للعمل بصراحة وطنية، من يعتقد أن الطريق إلى السقوط ممهد يجب أن يعرف أن جدار الردع الداخلي أقوى مما يتوقع.