زيد الفضيل يكتب: عوالم الصراع في الشرق الأوسط

 زيد الفضيل

تنطلق في العاصمة الأردنية عمان هذا الأسبوع نقاشات معمقة حول عوالم الصراع في الشرق الأوسط بتنظيم من جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ومركز إيلاف للدراسات والبحوث، وذلك في ظل عربدة الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو واعتدائها السافر على دولة قطر، ومن قبل على جمهورية إيران، واحتلالها لأجزاء جديدة في سوريا ولبنان، وقبل ذلك وبعده استمرارها في ارتكاب جريمة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، واعتداؤها الدائم على المجتمع الفلسطيني بالضفة الغربية، مع تهديدها المتكرر لكل دول الإقليم ابتداء بجمهورية باكستان وليس انتهاء بجمهورية تركيا.

في ظل كل ذلك، ومع استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، وتغافلها عن كل الجرائم التي ترتكبها حكومة نتنياهو السياسية وقيادته العسكرية، يمكن رسم خريطة الشرق الأوسط وتحديد ملامحها المستقبلية، والتي ستؤول إلى حرب مستعرة في حال تم ترك نتنياهو وحكومته ليعربدا كيف يشاءان، وحتما فلن يسلم الغرب والعالم بأسره من شرر هذه الحرب.

في الماضي وحتى قبل اعتداء إسرائيل الإجرامي على قطر بحجج واهية وغير مقبولة قانونا ودبلوماسية وحتما عسكريا، كان الصراع شبه محصور في إطار سياسي ونطاق جغرافي معين، لكن إسرائيل اليوم قد وسعت بغرور قوتها المتوهمة الإطار الجيوسياسي للصراع بكل حماقة وغباء سياسي، ذلك أن الاعتداء على قطر هو اعتداء على باقي منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وهو اعتداء على منظومة التحالف الأمريكي أيضا، مما انعكس سلبا على طبيعة العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة من غير إسرائيل، وعلى رأسهم مجلس التعاون الخليجي، وجعلها والرئيس ترامب بخاصة في موقف محرج، ولعل ذلك ما يفسر عدم رفضها لإدانة مجلس الأمن لاعتداء إسرائيل السافر على قطر وعدم التصويت بالفيتو وفق المعتاد.

وبالرغم من فشل إسرائيل في مهمتها الإجرامية، أخذ قادتها في تأكيد نيتهم بالاستمرار في الاعتداء على قطر وتركيا وغيرهما، بحجة القضاء على القيادة السياسية لحماس، وهو ما يجب التنبه له وأخذه بجدية من قبل كل حكومات الإقليم، والعمل على تكثيف الضغط السياسي والاقتصادي على الولايات المتحدة والغرب إجمالا، لتحجيم الدور الإسرائيلي المتفلت والخارج عن سلطة القانون، وإلا ستدخل المنطقة في نفق مظلم، تكون له تأثيراته الوخيمة على العالم بأكمله، وهو ما لا يريده العاقلون بأي حال من الأحوال، مهما اختلفت توجهاتهم ومنطلقاتهم، بمن فيهم العاقلون في إسرائيل، إن كان بها من يفكر بعقل، بعيدا عن الاستقواء الأحمق وجرائم الإبادة التي تقوم بها حكومتهم المتطرفة، والتي تدمر الإسرائيليين أولا، وتجعلهم منبوذين في كل مكان وكل زمان.

في هذا السياق، فقد كنت وكمؤرخ أتوقف عند سبب كره وبغض شعوب العالم لليهود تاريخيا، لكن حين شاهدت الواقع الحالي، تفهمت السبب وقبلته، فاليهود قد استأنسوا في جيناتهم بغض الآخر، ولذلك حين يستأسدون يخرج ذلك البغض من عروقهم، فيمارسون أبشع الجرائم بحق الآخر، وهو ما يحدث لأهل غزة اليوم وللشعب الفلسطيني إجمالا، بل ولغيرهم من أبناء الأمة العربية، مسلمين ومسيحيين.

أمام ذلك فليس أمام شعوب وحكومات الإقليم إلا أن تتوحد، فإسرائيل عدو للجميع، ابتداء من باكستان مرورا بإيران والدول العربية ووصولا إلى تركيا، وهي لن تتورع عن مهاجمة كل دولة، كما آن الأوان لإعلان سقوط مشروع الاتفاقات الإبراهيمية، التي كان يجب أن يتم تنفيذها واقعا ملموسا في القدس قبل غيرها، وقبل أن يتم الترويج لها من قبل الغرب الصهيوني.

وآن الأوان أيضا لأن تقطع الدول العربية (الموقعة اتفاق سلام مع إسرائيل) علاقاتها بها، ليكون ذلك رادعا ورسالة للشعب الإسرائيلي بأن حكومتهم المتطرفة تلقي بهم إلى التهلكة، وتلوي ذراع ويد من قدم لهم السلام وأراد تحقيقه بكرامة وعدل في المنطقة. فهل إلى ذلك سبيل؟