ذياب يكتب : الشباب العربي عند مفترق الطرق: من الغيبوبة إلى التحدي التاريخي… فهل سنرى جيل النهضة؟

 

بقلم الشاب ليث ذياب 
في زمنٍ تتكثف فيه الغيوم السوداء فوق سماء المنطقة، جاءت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة أمس لتؤكد أنها ليست مجرد ضربة لحماس أو اختراق لسيادة قطر، بل هي إعلان صريح عن مرحلة غير مسبوقة من التغوّل الإسرائيلي في المنطقة. فحين تُقصف عاصمة خليجية تحت أنظار العالم، وبمباركة ترامب، فإنها رسالة سياسية استراتيجية وجودية موجهة لكل العرب بوصفهم كيانًا جمعيًا بأنه لا مفر من إسرائيل ولا من قوتها. لكن الرسالة الأهم من وجهة نظري تكمن في ما يتلقفه جيل الشباب العربي (وأنا منهم)، وهو يشاهد هذه الوقائع؛ فهذه المشاهد تُشكّل وعيهم، وتحدد نزعاتهم، وترسم مستقبلهم بين الاستسلام أو النهوض. وهذا هو اختبار من الاختبارات الكثيرة للوعي العربي وجيل الشباب الذي يشاهد هذه الوقائع عن كثب.

ما حصل أمس كان مشهدًا متكررًا من غياب آليات الدفاع العربي المشترك وضعف التنسيق بين الدول العربية في مواجهة الأزمات الكبرى هذا إذا لم تكن غير موجودة اساسًا، وتكرار كثرة التصريحات والتنديدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي تعاود الكشف عن عمق فجوة اليد العربية الواحدة. التوضيحات والتصريحات والتنديدات لم ولن تتمكن من مواجهة التغوّل الإسرائيلي الذي في كل مرة يتجاوز حد المرة التي سبقتها. الشيء الوحيد الذي سيكون مفترق طريق عن هذه الغيبوبة (برأيي) هو أن يكون هناك مشروع عربي موحد لتنشئة الشباب. فجيل اليوم يتلقى صور القصف والخيانة والخذلان والصمت العربي والدولي يوميًا، وهذه التجارب ستصوغ شخصيته إلى الأبد لتشكل جيلًا إما ينكسر أو يستسلم، أو ينهض ويثور. لذلك، فهذا يضغط على الجرح  بضرورة بناء مشروع وعي مشترك للشباب وأنه ضرورة لا ترف. وهذا المشروع عليه ان يبدأ من التعليم الذي يزرع الانتماء والفكر النقدي، ويمرّ عبر الجامعات التي تمنحهم مساحات للتعبير والعمل الجماعي، وينتهي بتمكينهم في السياسة وصناعة القرار بشكل حقيقي. لذلك فإذا استُثمرت طاقاتهم كما يجب، فإن الشباب قادرون على إعادة صياغة المشهد العربي برمّته.

وإذا أردنا النظر لتصرفات إسرائيل الحالية، لا بد من مراقبة جيل إسرائيل الحالي؛ فسنجده أكثر عنفًا وتدينًا وتعصبًا وتطرفا من الأجيال التي سبقته. لذلك فعلى الجيل العربي القادم يجب أن يكون متكاملًا وعلى اساس ثابت وراسخ وهي عقيدة صلبة، ووعي سياسي، ومعرفة علمية، وصحة جسدية. كما تظهر التجارب العالمية بنفس الطريقة التي بنيت عليها الأجيال الكبرى في التاريخ، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا، واستطاعت مواجهة التحديات الكبرى لأنها نشأت على مبادئ واضحة وعقيدة صلبة. شبابنا اليوم يشاهد الأحداث ويفهم المعنى الحقيقي للعدوان والصمت العربي وهشاشة الأنظمة العربية، فهذه المشاهد تشكل وعيه منذ الصغر. فإعداد هذا الجيل يعني غرس حب الوطن، والانتماء القومي، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، بحيث يصبح كل شاب أو شابة قادرًا على اتخاذ موقف واعٍ ومستقل.

وبنفس المنطق، لا يكفي أن يكون الشاب واعيًا سياسيًا فقط، بل يجب أن يكون مسلحًا بالعلم والمعرفة. التاريخ يظهر أن الأجيال العظيمة لم تصنعه الحروب فقط، بل الابتكار، والتعليم، والإبداع. علينا أن نغرس في شبابنا حب البحث، القدرة على التحليل النقدي، والفكر الاستراتيجي، بحيث تتحول المعلومات الهائلة التي يواجهونها يوميًا إلى معرفة حقيقية وفهم عميق. هذا الوعي يجعلهم قادرين على مواجهة التحديات دون الشعور بالعجز، ويجعلهم صناع قرار لا متفرجين على الأحداث. بالإضافة، العقل وحده لا يكفي، فالجسد والصحة جزء لا يتجزأ من إعداد جيل قوي قادر على تحمل المسؤولية. كما تعلمنا التجارب العالمية، الأجيال التي استطاعت مواجهة التحديات الكبيرة كانت تتمتع بقدرة جسدية ومعنوية عالية. الرياضة، الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية، والانضباط الشخصي هي عناصر أساسية لتكوين شخصية متكاملة. الشباب الذين يعتنون بأجسادهم ويستثمرون طاقتهم في الإبداع والعمل هم الأقدر على مواجهة الأزمات، وبناء نهضة حقيقية لأمتهم. كما أن خدمة العلم والواجب الوطني، سواء من خلال المشاركة في الدفاع عن الوطن أو المساهمة في المشاريع الوطنية المهمة، جزء أساسي من إعداد هذا الجيل القادر على الصمود.

اليوم يقف الشباب العربي عند مفترق طرق: إما أن يظلوا متفرجين، أو أن يصبحوا جيلًا واعيًا مسلحًا بالعلم والمعرفة، راسخ العقيدة، قوي الجسد، ومتفاني في خدمة الوطن. الصحوة العربية الحقيقية لا تأتي من البيانات الرسمية، ولا من الشعارات الرنانة، بل من جيل يدرك أن إنجازاته الحقيقية تبدأ بالعلم والعمل، تستمر بالعقيدة والانتماء، وتُكمل بخدمة العلم والواجب الوطني. في هذا الجيل تكمن القدرة على إعادة بناء الأمة وقيادتها نحو مستقبل مستدام ومشرق، يترك بصمة حقيقية في التاريخ. إسرائيل أرادت أن تثبت للعالم أنها لا تُقهر، وأنها فوق القانون، وقادرة على ضرب أي مكان وزمان. لكن الرد الحقيقي لا يكون بمجرد بيان استنكار أو تسجيل موقف، بل بخلق إنجاز عربي جديد يترك بصمة في التاريخ. الإنجاز هنا ليس في السلاح وحده، بل في بناء أمة تعرف كيف تُربي شبابها على الوعي، وتستثمرهم في مشروع نهضة، بدل أن تتركهم فريسة لليأس أو أدوات في معارك الآخرين. إن الأمة العربية اليوم أمام مسؤولية تاريخية؛ إما أن تكون هذه الضربة الإسرائيلية على قطر بداية مرحلة جديدة من الغيبوبة، أو تكون الشرارة التي توقظ العرب من سباتهم. والشباب هم من سيقررون أي الطريقين سنسلك: طريق الانكسار الأبدي، أم طريق النهضة والصعود إلى التحدي التاريخي