الذهب... حين يتحول إلى عائق أمام الزواج في الأردن

 

قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إنّ الارتفاع المتسارع في أسعار الذهب يعد تجسيدًا حيًّا لبنية اقتصادية مضطربة على المستوى الدولي، تتقاطع فيها قرارات البنوك المركزية، والتحولات في النظام التجاري العالمي، مع الهواجس المجتمعية والضغوط اليومية التي يرزح تحتها المواطن.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الاردن" الإلكترونية أنّ المشهد الراهن يفرض مقاربة مزدوجة، فمن زاوية، يُنظر إلى الذهب ملاذًا استثماريًا آمنًا، ووسيلة لتعظيم الإيرادات في ظل انهيار الثقة بالأسواق التقليدية؛ ومن زاوية أخرى، يتحول المعدن الأصفر إلى عبء ثقيل على الفئات الاجتماعية محدودة الدخل، لا سيما الشباب المقبلين على الزواج الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة التقاليد الاجتماعية وسندان الواقع الاقتصادي المتأزم.

وبيّن عايش أنّ رمزية الذهب في الثقافة الشعبية الأردنية لم تعد مقتصرة على قيمته المادية، فهي ارتبطت تاريخيًا بمفهوم الشرف، والوفاء، والالتزام في العلاقات الأسرية، غير أنّ هذه الرمزية، في ظل السياقات الاقتصادية الراهنة، تحوّلت إلى عقبة هيكلية أمام تأسيس الأسر الجديدة، حيث أضحى الإصرار على اقتناء الذهب معيارًا قاسيًا يُطيح بأحلام الكثيرين ويؤجل استقرارهم الاجتماعي.

وعلى الصعيد الدولي، لفت الانتباه إلى أنّ التوقعات تتجه نحو ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، قد تصل إلى 4000  دولار للأونصة وربما تتجاوز 5000، وذلك في حال مضى الاحتياط الفيدرالي الأمريكي في سياسات تخفيض أسعار الفائدة أو في حال انهارت خطط واشنطن لتمويل عجزها عبر الرسوم الجمركية.

ونوّه إلى أنّ ما يحدث في الولايات المتحدة – بما في ذلك احتمال ردّ الحكومة لترليون دولار من الرسوم غير الشرعية – يمثل وصفة لانفجار اقتصادي عالمي ستتأثر به كافة الاقتصادات الصاعدة، ومنها الاقتصاد الأردني.

واستطرد عايش قائلاً إنّ هذا الاضطراب المالي الكوني يعيد صياغة أولويات المستثمرين والأفراد على حد سواء، بحيث يصبح الذهب الخيار الأبرز في قائمة الملاذات الآمنة، متجاوزًا حتى الدولار الذي ظل لعقود يُصنّف كأصل استراتيجي، ومع ذلك، فإن هذا الخيار – رغم جاذبيته الاستثمارية – يلقي بظلاله الثقيلة على الاستقرار الاجتماعي في الأردن، حيث ترتفع تكاليف الزواج إلى مستويات لا تُطاق، بما يهدد النسيج الاجتماعي ويُفاقم منسوب الإحباط لدى الشباب.

وفي هذا السياق، دعا إلى مقاربة إصلاحية شاملة تتجاوز مجرد المعالجات الفردية، بحيث تُسهم مؤسسات المجتمع المدني، والبرلمان، ورجال الدين، والإعلام، في إعادة صياغة الوعي الجمعي، مضيفًا إن المطلوب هو إحداث تحول ثقافي جذري يقوم على إدراك أنّ "جوهر الزواج" يكمن في إقامة مؤسسة أسرية مستقرة، لا في تراكم الغرامات الذهبية التي قد تفضي إلى ديون خانقة منذ اللحظة الأولى للحياة المشتركة.
كما شدّد عايش على ضرورة تبني استراتيجيات بديلة للتخفيف من وطأة هذا العبء، مثل الاتفاق على قيمة رمزية للذهب، أو تأجيل اقتنائه إلى مراحل لاحقة، أو حتى استبداله بوسائل ادخارية أخرى أقل كلفة وأكثر مرونة، مردفًا أنّ هذه المقاربات هي "حصافة اقتصادية واجتماعية" تضمن حماية الأسرة من الانهيار المبكر وتحفظ للمجتمع توازنه واستقراره.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب جزء من موجة تضخمية كبرى تمس كل القطاعات الاقتصادية، ما يستوجب الانتقال من "منطق الاستهلاك العاطفي" إلى "منطق الإنفاق الرشيد"، القائم على الحقائق لا على الأوهام، فالمجتمع الذي يصرّ على الذهب كشرط للزواج في مثل هذه الظروف إنما يفتح الباب لانفجار اجتماعي صامت، فيما الحكمة تقتضي أن يُعاد ترتيب الأولويات لصالح استدامة الأسرة وبقاء المجتمع متماسكًا في مواجهة العواصف الاقتصادية المقبلة.