الحسبان يكتب: استهداف إسرائيل لقيادات حماس في قطر.. رسالة عسكرية أم نقطة تحول سياسية؟

 

د. فراس حمدان الحسبان

لم تكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي تستهدف قيادات من حركة "حماس" على الأراضي القطرية حدثًا عابرًا، بل شكلت صدمة سياسية وأمنية غير معروفة في المنطقة. فالدوحة، التي لطالما احتضنت جهود الوساطة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وجدت نفسها فجأة في قلب مواجهة مباشرة مع تل أبيب، في مشهد ينذر بتداعيات واسعة على مستقبل العلاقات الإسرائيلية - القطرية، بل والعلاقات الإسرائيلية - الخليجية برمتها.

قطر بين السيادة والوساطة

لطالما قدمت قطر نفسها كوسيط إقليمي محايد، خصوصًا في الملفات الفلسطينية، مستفيدة من مواقعها وعلاقاتها المتوازنة مع أطراف متناقضة. غير أن الضربة الأخيرة وضعت القيادة القطرية أمام معضلة صعبة: كيف تدافع عن سيادتها وكرامتها الوطنية، وفي الوقت نفسه تحافظ على صورتها كوسيط ضروري في معادلة غزة؟

هذا الموقف قد يدفع الدوحة إلى إعادة النظر في طبيعة علاقتها مع إسرائيل، ويمكن أن يؤدي إلى التصعيد السياسي والدبلوماسي عبر الأمم المتحدة والبحث الدولي.

تل أبيب والرسائل المزدوجة

من جانبها، أرادت إسرائيل أن توجه رسالة مزدوجة، فهي قادرة على ملاحقة "حماس" "في أي مكان، ولا تعترف بخطوط حمراء جغرافية". لكن في المقابل، قد تأتي هذه الرسالة بنتائج عكسية، إذ إن إسرائيل كدولة مستعدة لانتهاك سيادة حكومة حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وهو ما قد يضر بجهودها لتوسيع دائرة التطبيع.

الخليج يعيد الحسابات

تأتي هذه الضربة في وقت كانت فيه إسرائيل تعوّل على توسيع اتفاقات أبراهام لتشمل دولًا جديدة. لكن الضربة في الدوحة تضع علامات استفهام حول مدى استعداد بقية دول الخليج للمضي قدمًا. فالتطبيع لم يعد مسألة منافع اقتصادية وأمنية فقط، بل أصبح مرتبطًا بسؤال جوهري: هل يمكن الوثوق بإسرائيل كشريك يحترم سيادة الدول؟

الولايات المتحدة في موقف حرج

واشنطن، الحليف الاستراتيجي لكل من إسرائيل وقطر، تجد نفسها اليوم في مأزق معقد. فمن جهة لا تستطيع التخلي عن أمن إسرائيل، ومن جهة أخرى لا يمكنها تجاهل سيادة شريك رئيسي لقواعدها العسكرية إذا ما أخذنا بفرضية أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بالضربة وأعطت الضوء الأخضر لإسرائيل، وإن كنت أشك بذلك. لذا، من سبق أن تحركت الإدارة الأمريكية لاحتواء الموقف ومنع انفلاته إلى أزمة دبلوماسية أوسع، حفاظًا على مصالحها الاستراتيجية في الخليج.

مرحلة غموض إقليمي

الضربة الإسرائيلية في قطر قد لا تكون مجرد حادثة أمنية، بل نقطة تحول في العلاقات الإقليمية. فهي تهدد بتقويض جهود الوساطة القطرية، وتعيد حسابات التطبيع الخليجي، وتضع واشنطن أمام اختبار صعب. وفي النهاية، تبقى المرحلة الثالثة مليئة بالغموض، حيث قد نشهد تصعيدًا سياسيًا ودبلوماسيًا، ويمكن إعادة تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة.