حين يسرق النسيان أجمل اللحظات.. أسر تكافح الزهايمر بالحب والأمل

 

بين لحظات حضور وغياب، يعيش مرضى الزهايمر رحلة صامتة لا يخوضونها وحدهم، بل تشاركهم أسرهم تفاصيلها يومًا بيوم، وكأن احتراق ذاكرة الماضي لدى المريض يقابلها احتراق نفسي لذويه، الذين ينتظرون ذاكرة (أو صورة من أليوم الماضي) ربما لن تعود أبدا.

فبين أبٍ نسي أسماء أبنائه، وأمٍ تبحث في ذاكرتها عن ملامح بيتها، تبقى العائلات حاضنةً لهم بالحب والرعاية المتواصلة، في تجربة تختبر الصبر والحنين معًا.

وكالة الأنباء الأردنية (بترا) فتحت ملف مرض الزهايمر، باعتباره واحدًا من أكثر الأمراض التي تضع الأسر أمام تحديات نفسية واجتماعية، واستطلعت آراء ذوي المرضى والمختصين للوقوف على حجم التأثير الذي يتركه هذا الداء الصامت على العائلات، ونوعية الدعم المطلوب لتعزيز قدرة المرضى وأسرهم على المواجهة بكرامة وإنسانية.

قالت إبنة أحد مصابي مرض الزهايمر، إن المرض لا يؤثر على والدها وحده، بل يشكل تحديًا يوميًا لجميع أفراد الأسرة، موضحة أن رعايته تتطلب متابعة دائمة لاحتياجاته الشخصية، ومراقبة أدويته، والتأكد من سلامته طوال الوقت.

وأشارت إلى أن أكثر ما يواجهونه صعوبة هو التعامل مع نوبات النسيان المفاجئة، مثل عدم تعرفه على أفراد العائلة أو الأماكن المألوفة لديه، بل إن الخوف الأكبر يكمن في خروجه من المنزل وعدم قدرته على العودة، مما يعرّضه لخطر الضياع، مضيفة "الأصعب أن ينسى أبي أبناءه وبيته، وربما نفسه من يكون، فذلك يترك جرحا عميقا في قلوبنا ويضاعف إحساسنا بالعجز".

وأكدت ضرورة وجود دعم نفسي واجتماعي للأسر، إلى جانب توعية المجتمع حول طبيعة المرض وطرق التعامل مع المصابين، مشيرة إلى أن الجمعيات والمؤسسات المتخصصة تلعب دورًا مهمًا في تقديم المشورة والتوجيه للأسر وتوفير برامج تثقيفية تساعدهم على التكيف مع التحديات اليومية، حيث أن كل لحظة من الانتباه والحنان تمنح المريض شعورًا بالأمان، بينما تمنح الأسرة قدرة على الاستمرار في الرعاية دون شعور بالعجز أو الإحباط.

بدورها، قالت أستاذة الإرشاد النفسي والتربوي، الدكتورة سعاد غيث، إن الزهايمر ليس مجرد فقدان للذاكرة، بل حدث أسري يعيد تشكيل الأدوار والعلاقات داخل العائلة، ويترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا على الزوج أو الزوجة والأبناء والأحفاد، مبينة أن مقدمي الرعاية من أفراد الأسرة قد يعانون من ضغوط نفسية كبيرة، إذ يصل معدل الاكتئاب بينهم إلى الثلث، بينما يعاني نصفهم من القلق، أما الأحفاد واليافعون، فتؤثر عليهم تجربة رعاية الجد أو الجدة المصابين بالزهايمر أحيانًا في دراستهم ونومهم، إلا أنها قد تساعدهم على تنمية المرونة والتعاطف وتحمل المسؤولية إذا حصلوا على دعم واع.

وأضافت أن الدعم الأسري والمؤسسي له دور محوري في التخفيف من الضغوط، من خلال برامج تثقيفية ومهارية مثل برنامج (iSupport) الرقمي الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لتزويد الأسر بمهارات عملية للتعامل مع تحديات الرعاية، مشيرة إلى أن الأردن شارك في مبادرات دولية بهذا المجال، ويواصل العمل على تفعيل منصات وطنية وتوسيع شبكات الدعم المجتمعي.

وأكدت غيث أن التعامل اليومي مع المصاب يتطلب الهدوء، وتجنب الجدال أو الأوامر المباشرة، واستخدام جمل قصيرة واضحة، ومنحه وقتًا للرد، مع تهيئة بيئة آمنة ومنظمة تقلل المشتتات وتساعده على التذكر عبر وسائل بصرية بسيطة، كما شددت على أهمية أنشطة استدعاء الذكريات والهوية باستخدام الصور والموسيقى المألوفة، ومواجهة السلوكيات العدوانية بوسائل غير دوائية كتشتيت الانتباه أو تعديل البيئة، معتبرة أن هذه الممارسات تجعل الرعاية أكثر إنسانية واستدامة، وتحسن جودة حياة المريض وأسرته.بدورها،

من جهتها، قالت مستشارة العمل الاجتماعي وكبار السن، وعضو الهيئة الإدارية وأمين سر جمعية العون الأردنية لمرض الزهايمر، لين المدانات، إن العديد من الأسر تواجه صعوبات كبيرة في رعاية أحبائها المصابين بالزهايمر، أبرزها التعامل مع التغيرات السلوكية وفقدان الذاكرة التدريجي وتكرار الأسئلة وكيفية الإجابة عليها، إضافة إلى الضغوط النفسية والعاطفية والإرهاق الجسدي الناتج عن الرعاية المستمرة، خاصة في المراحل المتقدمة من المرض.

وأضافت أن بعض الأسر تعاني أيضًا من نقص الوعي بطرق التواصل مع المريض وفهم احتياجاته النفسية، إلى جانب الأعباء المالية والشعور بالعزلة الاجتماعية.

وبينت المدانات أن الجمعية تسعى للتخفيف من هذه التحديات من خلال برامج توعوية وإرشادية حول المرض وتطوره وطرق التعامل مع المصاب، إلى جانب مجموعات دعم لتبادل الخبرات والتجارب، وتقديم استشارات طبية ونفسية، فضلًا عن جلسات استماع لمقدمي الرعاية ومواد تثقيفية تساعدهم على التنفيس عن مشاعرهم والحصول على قسط من الراحة.

وأكدت أن الجمعية تولي أهمية خاصة لتوعية المجتمع وتعزيز التضامن مع مرضى الزهايمر وأسرهم، عبر حملات إعلامية وتثقيفية، وورش عمل ودورات تدريبية لمقدمي الرعاية، إلى جانب نشاطات موجهة للمدارس والجامعات لترسيخ الوعي بالمرض والحد من الوصمة المرتبطة به.

ورغم صعوبة الزهايمر وما يحمله من وجع النسيان، يبقى المرض اختبارًا حقيقيًا لقوة الروابط الأسرية والإنسانية، فالأسرة التي تواجهه بحاجة إلى تضامن مجتمعي ورعاية مؤسسية متكاملة، تضمن للمرضى كرامتهم ولذويهم طمأنينة العيش، حيث أن بناء منظومة دعم نفسية واجتماعية يعد ضرورة ملحّة في مختلف المجتمعات، حتى لا يظل المصابون وأسرهم في مواجهة صامتة مع النسيان.