خروز تكتب : لنكمل ما بدأته الأمانة
تمارا خزوز
لم يكن ما قاله الكاتب الأستاذ إبراهيم غرايبة عن "تحرير عمّان" من المعتدين على الشوارع والأرصفة مبالغة؛ فالمدينة "استُبيحت" منذ سنوات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا ما يفسّر الشعور العام بالارتياح والاستحسان الذي تلقته أمانة عمّان عندما استنفرت كوادرها لإزالة الاعتداءات على الأرصفة والشوارع.
مسألة التنظيم وإزالة الاعتداءات في المدينة ليست أمرًا ثانويًا؛ فهي تمس جودة حياة المواطن، وترتبط بمؤشرات التنمية، وتؤثر في جذب الاستثمارات، كما تنعكس أيضًا على ثقة المواطنين بالدولة وهيبتها.
والمفارقة أن هذا التحرّك لم يلقَ اهتمامًا يُذكر من قبل الأحزاب والنخب السياسية التي يتمحور عملها أساسًا حول إدارة الشأن العام، خاصة وأنها أكثرت من الوعود "البرامجية" المرتبطة، حكمًا، بتحسين نوعية حياة المواطن.
في ظل هذا الغياب للنخب السياسية، وفي الوقت الذي تبدو فيه الحكومة مثقلة بالتزامات مالية وتمويلية مشروطة، وتحديات أخرى تنموية وسياسية، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمدينة، بما يحقق تغييرًا اجتماعيًا حقيقيًا ينقل الناس من ذهنية الإعالة، التي تطبع المجتمعات النامية، إلى ذهنية الخدمة المجتمعية.
أن يكمل المواطن ما بدأته أمانة عمّان ليست فكرة عبثية، بل عين العقل، لأنها تقوم على أساس مصلحي بحت: فالمصلحة العامة تنعكس بالضرورة على المنفعة الخاصة. والخدمة المجتمعية تقوم، أصلًا، على فكرة المشاركة في صنع القرار، حيث ينظم الناس أنفسهم للعمل والنقاش وإيجاد حلول لقضاياهم اليومية: إدارة البنايات، معالجة الحفر، جمع النفايات، وتوفير الأمن وحماية الممتلكات.
قد يكون النموذج الأمثل لهذه التشاركية هو تشكيل "لجان أحياء" تحت مظلّة تنسيقية شعبية وحكومية، تُطلق لأجلها خطة وطنية شاملة يقوم بالتدريب فيها كوادر الدفاع المدني، وتشرف عليها مؤسسة ولي العهد، امتدادًا لبرنامج خدمة العلم الذي أطلقه سمو ولي العهد مؤخرًا.
بهذا الشكل، يُفعَّل دور المواطن في كل بقعة جغرافية للعمل مع الدولة على تحسين نوعية الحياة، بما يخلق تغييرًا محليًا يتسع تدريجيًا ليصبح تغييرًا وطنيًا، ويُشكّل جزءًا من عملية التمكين الديمقراطي والإداري والاقتصادي، لأنه يدرّب المواطن على اتخاذ القرار على مستوى الشارع. والأهم أنه قد يكون أيضًا تدريبًا على التعامل مع حالات الكوارث الطبيعية والحروب، في حال وقوعها، لا قدّر الله.
لا ندعو، بالطبع، إلى استبدال مؤسسات الدولة، كما لا نبرر، في المقابل، تباطؤ الدولة في الإصلاح. ما نطرحه هو حلول عملية تحول دون انزلاق مدننا إلى مساحات إسمنتية مكتظة، غير منظمة، وغير صالحة للسكن، تستباح يوميًا مساحاتها العامة، من خلال تجذير مفهوم التطوّع والخدمة المجتمعية، وأن يكون ذلك تحت مظلة تنسيقية مرتبطة بمبادرات متعلقة بالمشروع الكبير، وهو خدمة العلم.
"تلة البلوط" التي تقع في إحدى مناطق عمّان الغربية، تجربة رائدة في هذا السياق، حيث بادر سكان الحي ــ ومن بينهم الصديق سنان صويص ــ إلى تنظيم أنفسهم لحماية بيئتهم وأشجارهم وممتلكاتهم وشوارعهم، بما يشبه عمل لجان الأحياء. وهي تجربة تستحق النمذجة والتعميم على سائر الأحياء.