دلالات إقصاء عباس والسلطة من الأمم المتحدة

 

قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن قرار الإدارة الأمريكية برفض منح تأشيرات لمسؤولي السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الرئيس محمود عباس، من أجل المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة في أيلول، يعد مؤشرًا بالغ الدلالة على تحوّل نوعي في طبيعة النظرة الأمريكية ـ الإسرائيلية المشتركة تجاه مستقبل السلطة، وموقعها في معادلة الصراع الممتد على الأرض الفلسطينية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مذكرة الخارجية الأمريكية، أكدت مصلحة الأمن القومي الأمريكي من خلال "محاسبة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على عدم الوفاء بالتزاماتها وتقويض آفاق السلام"، وأنه "قبل أن تُعتبر منظمة التحرير والسلطة شريكتين في عملية السلام، عليهما نبذ الإرهاب بشكل مستمر، بما في ذلك مذبحة السابع من أكتوبر، ووقف التحريض على الإرهاب في التعليم".

وبيّن النظامي أن هذا التصريح يشي بمرحلتين أساسيتين، الأولى تتمثل في محاولة واشنطن ـ انسجامًا مع رؤية تل أبيب ـ إعادة توصيف السلطة الفلسطينية باعتبارها طرفًا محل مساءلة سياسية وأمنية، أما الثانية فهي الإيحاء الصريح بأن اتفاق أوسلو قد انتهى عمليًا، ولم يعد يشكل المرجعية الناظمة للعلاقة بين السلطة وإسرائيل، ولا حتى الغطاء السياسي للدور الأمريكي التقليدي في ما يُسمى بـ"عملية السلام".

وأشار إلى أن هذا القرار لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق أوسع، إذ يتقاطع مع ما يُشبه الضوء الأخضر الأمريكي للمشروع الإسرائيلي الرامي إلى ضم الضفة الغربية، خطوة بخطوة، وتفكيك ما تبقى من مقومات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وبذلك يصبح رفض منح التأشيرات إعلانًا سياسيًا عن مرحلة جديدة من الترتيبات، حيث لا مكان فيها لسلطة فلسطينية تفاوضية، إذ عليها إفساح المجال لبنية إدارية ـ أمنية وظيفتها ضبط المجتمع الفلسطيني بما يخدم استراتيجيات الاحتلال.

وأردف النظامي أن محمود عباس الذي بنى مجمل إرثه السياسي على التعاون الأمني مع تل أبيب وواشنطن، يجد نفسه اليوم أمام طعنة مباشرة في هذا الإرث، ورسالة مفادها أن التنازلات السابقة لم تعد تكفي لبقاء السلطة في موقع "الشريك المقبول"، مستطردًا أن مستقبل السلطة ذاته بات محل مراجعة إسرائيلية ـ أمريكية عميقة، تنظر إليها اليوم كعبء أكثر منها كأداة، في ضوء التحولات الميدانية الكبرى بعد السابع من أكتوبر.

وتابع قائلًا إن دلالات هذا القرار تتجاوز الجانب الإجرائي، لتكرّس حقيقة أن المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي دخل طورًا جديدًا عنوانه: ما بعد السلطة وما بعد أوسلو، وبذلك يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مفترق تاريخي، يفرض إعادة التفكير بالكلية في بنيتهم التمثيلية والسياسية، وفي طبيعة العلاقة مع الاحتلال، في ظل غياب أي مظلة دولية حقيقية تردع المشروع التوسعي الإسرائيلي.