الدباس يكتب : حقاً يريد النائمون من الدولة.. أن تحرس أحلامهم الوردية؟!..
محمود الدباس - أبو الليث..
في حين يركض العالم للأمام.. يطلب بعض النائمين من الدولة.. أن تحرس لهم أحلاماً.. لم يعد لها حتى مَن يستيقظ عليها..
ففي زمن أصبحت فيه الأحداث تتسارع.. وتتنوع فيه وسائل الاتصال.. وتختصر التطبيقات المسافات.. أصبح المشهد أكثر قسوة على مَن لا يريد أن يغادر ماضيه.. ولا أن يستيقظ من أحلامه الوردية..
فكم من إعلامي ما زال يظن.. أن مجرد انتقاله من الكتابة على الورق.. إلى الكتابة الإلكترونية.. كفيل بأن يخلّد حضوره.. ناسياً أن زمن الأمس لم يكن فيه منافسة حقيقية.. فوسائل الإعلام كانت محدودة.. والجمهور كان مجبراً على أن يقرأ.. أو يشاهد ما يُقدَّم له بلا خيار.. وكم من موهبةٍ صادقةٍ دُفنت.. لأنها لم تجد نافذة تصل منها.. وبقيت الساحات محتكرة بين قلةٍ.. اعتقدوا أنهم الأوحد.. حتى صدّقهم الجمهور نفسه.. وكأنهم أوصياء على عقول الناس ومشاعرهم..
أما اليوم فقد تغيّر المشهد.. وأصبح التأثير وسحر الكلمات.. لا يُقاس بطول المقال.. ولا بزخرف العبارات.. ولا باسم المذيع الذي ظن أن صوته وحده يكفي.. بل بالسلاسة.. والسرعة.. والترابط.. وبالقدرة على القبض على الفكرة بأقصر الطرق..
وليس الإعلاميون وحدهم يعيشون هذا الواقع.. بل بعض الأطباء ايضاً.. الذين ما زالوا يتفاخرون بشهادات حصلوا عليها قبل عقود.. ولم يطوّروا أدواتهم.. والمهندسون الذين بقوا أسرى طرق تقليدية.. بينما زملاؤهم الأصغر يوظفون الذكاء الاصطناعي.. والتقنيات الرقمية.. ليصبحوا نجوماً في مجالهم.. وحتى الفنيون الذين اعتقدوا.. أن خبرتهم اليدوية وحدها تكفي.. فإذا بجيلٍ جديد يوظف التقنية.. فيسبقهم إلى قلوب الناس وعقولهم..
المضحك المبكي.. أن بعض هؤلاء لا يلوم نفسه.. بل يلوم الزمن.. ويلعن مَن سبقوه إلى الريادة.. ويطالب الدولة.. أن تحميه من منافسة الآخرين.. وكأن الدولة مطالبة بأن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.. ليبقى هو في دائرة الضوء.. بينما يدور العالم من حوله..
يا للسخرية.. كأنهم أصحاب الكهف.. ناموا سنين طويلة.. ثم استيقظوا.. ليجدوا أن كل شيء تغيّر.. إلا هم.. فبدلاً من الاعتراف بالواقع.. يريدون أن يفرضوا سباتهم على الآخرين أيضاً..
ومن الطرائف الثقيلة.. أن إعلامياً يستخف بالبودكاست.. أو يستهجن أن يقدم مسؤول رفيع محتواه عبر هذه الوسيلة.. ناسياً أن ذلك المسؤول لم يغامر.. إلا لأنه أدرك أن هذه المنصات.. هي لغة العصر.. وأنها وسيلة راقية توصل الفكرة بوضوح وبساطة.. ولولا يقينه بقوتها.. لما خاض غمارها.. أما مَن بقي يزدريها.. ويتغنى بماضيه العتيد.. فليطمئن.. لن يسمعه أحد.. إلا صدى صوته في غرفة مغلقة.. فلن يحصد إلا عزلة يزينها له وهمُ الاحتكار القديم..
كنت قد كتبت مقالاً قبل عدة سنوات تحت عنوان "ستموت الاوراق.. ويحيى الحكواتي".. نبهت فيه بأن الجيل الذي يتابع الآن.. لا يكترث كثيرا بما يُكتَب.. وخصوصا المقالات التقليدية..
ولكي لا نظلم الجميع.. فإن بعض الإعلاميين أدركوا باكراً.. أن العالم يتغيّر.. فطوروا أدواتهم.. وانفتحوا على لغة جديدة..
وهنا اضرب مثالا حياً.. الإعلامي المخضرم سمير الحياري.. الذي تنبه باكراً لهذا الأمر.. فأنشأ إذاعة رديفة لموقعه الاخباري.. ولم يكتف بذلك.. بل وظّف خبرته في تقديم واحدٍ من أقوى البرامج في هذا الوقت.. "المسافة صفر"..
فالزمن لا ينتظر أحداً.. ومَن رفض الاستيقاظ.. عليه أن يلوم نفسه فقط..
فإلى كل مَن يظن أن التاريخ وحده يشفع.. وإلى كل مَن غفا على وسادة أحلامه.. معتقداً أن الجمهور ما زال حيث تركه.. لا تلومن غير نفسك.. ولا تعتبن على مَن سبقك بأشواط.. بل واجه مرآتك.. وانفض الغبار عن أدواتك.. وأبحر بثقافتك في هذا البحر الجديد.. فإن فعلت.. فلن يمنعك أحد من الصعود من جديد.. وقد تسبقهم..
أما إن جلست تلعن غيرك.. وتطلب من الدولة حماية احتكارك القديم.. فلا تنتظر مني.. وممن هم على شاكلتي غير الشفقة..
محمود الدباس - أبو الليث..