الكساسبة يكتب: هل يمكن لإدارة اقتصادية أكثر كفاءة أن تحوّل تحديات الأردن إلى فرص للنمو؟

 

د. حمد الكساسبة

لا يعقل أن يكون بلد مثل الأردن، بما يملكه من موقع استراتيجي وثروات بشرية وطبيعية، عاجزًا عن تحقيق نمو مستدام. وقد تراكمت عبر عقود تحديات هيكلية جعلت المشهد الاقتصادي هشًّا، فالدين العام متضخم، والاستثمارات متراجعة، والبطالة مرتفعة، وهناك فجوات واضحة في سوق العمل والإنتاجية والميزان التجاري. وهذه الاختلالات المزمنة تعكس حاجة ملحّة إلى إدارة اقتصادية أكثر كفاءة تعيد صياغة الأولويات وتوجّه الموارد نحو التنمية الحقيقية.

ولا شك أن الأردن يعمل وسط بيئة إقليمية ملتهبة أرهقته اقتصاديًا وأمنيًا، فقد شكّلت الأزمات الممتدة في المنطقة وتدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين ضغوطًا إضافية على موارده المحدودة. غير أن مثل هذه الظروف لم تكن حائلًا أمام دول أخرى واجهت تحديات مشابهة واستطاعت أن تحوّلها إلى فرص للنمو. وهذا يوضح أن المشكلة لا تكمن فقط في البيئة الخارجية، بل أيضًا في كفاءة الإدارة الداخلية.

ولئن بدت الصورة مقلقة، فإن الأردن ليس بلا بدائل، فالفرص قائمة إذا أحسن استثمار طاقاته البشرية وموارده المتجددة وقدراته الإنتاجية. وإن التخفيف من الاعتماد على المستوردات التي تكلف الاقتصاد مليارات الدولارات سنويًا كفيل بتوفير عملات أجنبية وحماية سوق العمل، وذلك شرط أن تقود العملية سياسات إنتاجية وتجارية ذكية تدعم الصناعة والزراعة والتكنولوجيا.

وللتجارب الدولية شواهد على أن الموارد المحدودة ليست عائقًا أمام التنمية، وقد تكون محفزًا للابتكار إذا توفرت الإدارة الرشيدة والرؤية الاستراتيجية. وإن هذا الدرس بالذات ما يحتاجه الأردن، فالانتقال إلى منظومة اقتصادية تقودها الشفافية والكفاءة والتخطيط طويل الأمد هو الطريق نحو التعافي.

ويظل القطاع الخاص في قلب هذه المعادلة، غير أن واقعه الحالي لا يوازي طموحات التنمية، إذ ما زالت بعض الهياكل التقليدية تعرقل النمو والابتكار. ولذا فإن إصلاح بيئة الأعمال عبر تشريعات مرنة وحوافز مرتبطة بالإنتاجية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي تدريجيًا في المنظومة المنظمة لتوسيع القاعدة الضريبية وتعزيز العدالة الاقتصادية، واستثمار التعليم والمهارات الرقمية، تمثل جميعها شروطًا ضرورية لتعزيز مرونة الاقتصاد ودعم التحول الرقمي.

ويُعد قطاع التعدين ركيزة أساسية للاقتصاد الأردني، ولئن اقتصر دوره على تصدير المواد الخام، فإن ذلك يقلل من قيمته المضافة. وإن التوسع في الصناعات التحويلية سيزيد مساهمة هذا القطاع في الإيرادات العامة ويوسّع قاعدة الصادرات ويولّد فرص عمل نوعية، وإن الاستثمار الأجنبي المباشر في هذا المجال قادر على نقل التكنولوجيا وفتح أسواق جديدة.

ويبرز كذلك الاقتصاد الأخضر كمسار استراتيجي قادر على خفض التكاليف وتعزيز التنافسية. وإن التحول إلى الطاقة المتجددة وحسن إدارة الموارد سيخلق وظائف صديقة للبيئة ويفتح أسواقًا جديدة ويجعل التنمية أكثر استدامة على المدى الطويل.

وعلى صعيد المشاريع الكبرى، فإن مشروع الناقل الوطني للمياه وتطوير شبكة السكك الحديدية وربطها بالموانئ يمنح الأردن فرصة استراتيجية لتعزيز بنيته التحتية ودوره الإقليمي في مجالات الطاقة والتجارة واللوجستيات. وإن نجاح هذه المشاريع مرهون بآليات متابعة ورقابة دقيقة تضمن حسن التنفيذ وتجنّب تكرار إخفاقات الماضي.

غير أن استمرار البيروقراطية وضعف المتابعة يبقى عائقًا جوهريًا أمام تحقيق النتائج المرجوة. فغياب التنسيق بين المؤسسات، وتعقيد الإجراءات، والتأخر في اتخاذ القرارات، كلها عوامل تحدّ من فعالية البرامج الاقتصادية وتضعف أثرها في الواقع. ومعالجة هذه المعضلة الإدارية تمثل شرطًا أساسيًا لتعزيز الثقة وضمان التنفيذ السليم لأي خطة إصلاحية.

وتبقى التنمية الإقليمية من أبرز التحديات، فالمركز يستحوذ على النصيب الأكبر من الاستثمارات، فيما تعاني المحافظات من فجوات واسعة. وإن ردم هذه الفجوة يتطلب استثمارات نوعية في البنية التحتية والخدمات، مع تمكين المجالس المحلية من المشاركة الفعلية في صياغة السياسات، بما يضمن عدالة توزيع ثمار النمو.