خريطة جديدة على أكتاف الجنود الإسرائيليين: خطر يهدد الأردن ودول المنطقة

 

د. نبيل العتوم

الشعار الجديد الذي ظهر على أكتاف بعض وحدات الجيش الإسرائيلي.. ليس مجرد رمز عابر أو علامة تقليدية للزي العسكري، بل هو خريطة مطرزة تحمل ملامح ما تسميه إسرائيل "حدودها التاريخية" الممتدة من البحر إلى النهر، وتشمل مناطق أوسع من حدودها الحالية، الأمر الذي يكشف عن نزعة توسعية واضحة. فبدل أن يقتصر الشعار على رموز الجيش أو علم الدولة كما هو معتاد، جاء على شكل خريطة جغرافية توحي بأن الأراضي الأردنية والفلسطينية والمصرية والسعودية  ليست خارج الحسابات الإسرائيلية المستقبلية، وهو ما يجعل هذا الرمز العسكري بمثابة إعلان نوايا مبيتة، ورسالة سياسية وأمنية مشحونة بأبعاد استراتيجية تتجاوز مجرد "شعار" على بدلة جندي.

لم يعد هذا الشعار إذن تفصيلًا ثانويًا، بل تحوّل إلى إنذار صريح يحمل ملامح مشروع توسعي خطير، فهو ليس رمزًا بريئًا بل رسالة تقول إن حدود اليوم ليست نهائية وإن هناك تصورًا لامتداد جديد قد يُفرض بالقوة، وما أن يوضع على الزي العسكري حتى يصبح أداة تعبئة تُهيّئ الجنود والرأي العام الإسرائيلي لتقبّل خطوات أكثر خطورة. ومن هنا يتضح أن الأردن ومصر والسعودية التي باتت تظهر في هذا الشاره العسكرية باتت أمام تحدٍّ مباشر لأن هذا الشعار قد يترجم اولا اردنيا عبر  تحركات  ميدانية على الأرض، سواء عبر إقامة مناطق عازلة جديدة أو تنفيذ توغلات عسكرية بحجة الأمن أو حتى فرض وقائع جغرافية تتجاوز اتفاقية وادي عربة، وهو ما يهدد الاستقرار الحدودي ويضع المملكة أمام احتمالية تدفق موجات لجوء جديدة ترهق الداخل وفتح الحدود أمام تهريب السلاح والمخدرات والطائرات المسيّرة.

التهديد لا يقتصر على الأمن المباشر بل يمتد إلى ملفات الطاقة والجغرافيا الاقتصادية، إذ تسعى إسرائيل إلى تعزيز قبضتها على خطوط الغاز والموارد الاستراتيجية ما قد يضع الأردن في موقع المحاصر اقتصاديًا، إما بالرضوخ لضغوط تل أبيب أو مواجهة محاولات تقويض دوره كممر تجاري ومعبر استراتيجي بين الخليج والبحر المتوسط.

أما على المستوى الداخلي فإن التداعيات قد تكون أكثر إرباكًا، إذ يمكن لأي نزوح فلسطيني جديد من الضفة أو غزة أن يغير التوازنات الديموغرافية الحساسة ويضع الاقتصاد والخدمات تحت ضغط شديد، ومع الفوضى الإنسانية تصبح الساحة عرضة لمحاولات اختراق وزرع الانقسام الاجتماعي أو خلق بؤر اضطراب. وفي هذه البيئة يمكن لإسرائيل أن توظف الحرب النفسية، فتستغل الشعار كأداة لبث الخوف وتفتيت المواقف الداخلية الأردنية.

إن ما يجري ليس مجرد رمزية عسكرية بل مقدمة لتحرك استراتيجي يتقاطع مع سيناريو الحرب المقبلة في المنطقة، حيث يمكن لإسرائيل أن تستغل انشغال العالم بمواجهة كبرى ضد حزب الله أو إيران أو حتى استمرار حرب غزة او جنوب سوريا  لتفرض واقعًا جديدًا على الحدود الأردنية، وتدفع بموجات نزوح فلسطيني قسري إلى الداخل، وتحاول استخدام الأراضي الأردنية كممر لوجستي أو قاعدة خلفية للصراع، وتبتز المملكة اقتصاديًا عبر الضغط على طرق التجارة والطاقة.

هذه القراءة المختصرة تفرض على الأردن أن يدرك أن الخطر ليس بعيدًا ولا افتراضيًا، بل يطرق الأبواب، وأن الشعار على الأكتاف ليس هو الجرس الأول فقط لإنذار استراتيجي لذا يجب التعامل معه ومع غيره من وقائع ومؤشرات بجدية كاملة قبل أن تتحول رسالته إلى وقائع ميدانية يصعب التراجع عنها، لا سمح الله.