العثامنة يكتب : بين عقلية الدولة وعقلية القلعة

 مالك العثامنة

هذه دولة تجاوزت المائة عام بمؤسساتها وأجهزتها ولم تتوقف حركتها رغم كل الأزمات والتحديات، وهي دولة تطورت إداريا لتصبح اثنتي عشرة محافظة بكامل إداراتها، وفيها سلطات ثلاث وجيش وأمن منضبطان، وحوالي11 مليون نسمة من مختلف الأصول والمنابت يختلفون ويتفقون، يتنازعون في المواقف لكن التقاطعات في المتفق عليه كثيرة بينهم ضمن دائرة حدودهم على مساحة تتجاوز التسعة وثمانين ألف كيلومتر مربع بقليل.
وهذه الدولة جزء أصيل من المجتمع الدولي، بل ومؤسس في منظماته الأممية الرئيسة، ولهذه الدولة حضورها الوازن الذي رسخته من خلال مائة عام ونيف وعبر الأزمات ذاتها التي كان في عين عواصفها، وحين يتحدث المجتمع الدولي عن الأردن، فالحديث حتى من المختلفين معه يكون بتقدير واحترام.
هذه الدولة، فيها أزمات داخلية، واقتصادها متعب منذ تأسست، لكنها استطاعت الوصول إلى حيث راهن كثير في زمن مضى على استحالة الاستمرار، فلم يصلوا ولا يزال الأردن يواصل.
لذا، لا يمكن أن تكون مشاعري لتتجاوز حد الانزعاج والاشمئزاز من أي تصريحات يفرزها اليمين المتطرف في إسرائيل، ولأن القناعات بكل ما ذكرته سابقا يقينية، فلا أشعر برعب يهدد وجود الأردن، ووجودي كما وجود الـ11 مليون نسمة المرتبطين فيه.
ما يمكن أن يقلقني أكثر من هذا الهراء الصهيوني، هو الجهل والدجل الغيبي الذي يمكن أن ينمو في داخلنا الأردني إلى حد يجعل الهراء الصهيوني يحمل ثقلا مؤذيا.
من هنا، أشعر بالاطمئنان حين أتابع أخبارنا المحلية، وهي تحمل جدلنا حول الإصلاح بكل مستوياته، وكل الأخبار التي لا تزال تحمل نكهة الحياة المستمرة في دولة لا يجب أن تحب أو تكره، بل وظيفتها الوحيدة أن تستمر بالحركة نحو الأمام.
كل الأخبار المحلية من خبر افتتاح مدرسة أو صيانة مركز صحي مرورا باتفاقيات تأمين لمرضى السرطان قابلة للبناء عليها، وليس انتهاء بخبر يتعلق بصناعة ترفيهية ضخمة مثل تصوير برنامج ضخم مثل "ذا فويس" في الأردن، بتعاون بين مؤسسات أهلية ورسمية.
وطبعا، سأتوقع هجوما على حضور مثل هذه الصناعة الترفيهية من حراس هياكل الدجل، وربما من بعض من لهم وجهة نظر يحملها التعاطف الذي يغفل عن رؤية الضرورات الاقتصادية لمثل هذه المشاريع لتحريك– ولو متوسط المدى- في اقتصاد يحتاج كل مولدات الحركة ليتقدم ويخرج عن عجزه.
مثل مهرجان جرش، وغيره من مشاريع الحياة التي تحرك اقتصاديات محلية ساكنة، يأتي هذا البرنامج ليشغّل أردنيين تعبوا من البطالة، ويحرّك بشكل مباشر أو غير مباشر قطاعات مختلفة في اثنتي عشرة محافظة.
وحين يتحدث أحد ويقول: هنالك خطر وشيك على وجودنا. أذكره أن وجودنا كدولة كان مستهدفا منذ التأسيس، كما يقول لنا التاريخ نفسه. وفي عين كل تلك العواصف كنا نستمر.. وكان من سبقونا أكثر حصافة منا لأنهم آمنوا بالدولة، والدولة هنا هي هذا الكيان الملموس الذي يجمعنا تحت مظلة دستور وقوانين ومؤسسات ومفاهيم المواطنة.
نقول هذا وكفى.