الأردن في مواجهة المشروع الإسرائيلي: لا مكان للحياد
محمد عمر
التصريح الأخير لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف بوضوح عن جوهر المشروع الصهيوني حين تحدث عن “إسرائيل الكبرى” باعتبارها مهمة تاريخية وروحية للأجيال القادمة. لم يعد الأمر مجرد تكهنات أو تحليلات صحفية، بل إعلان مباشر لنوايا توسعية تهدد استقرار المنطقة وأمنها، وفي صلبها الأردن.
لا شك أن صانعي القرار في الأردن يملكون من الخبرة والدبلوماسية ما يجعلهم قادرين على مواجهة التحديات والتعامل مع أخطر الملفات، لكنّ التساؤل هنا يأتي من منطلق الحرص على الوطن والمستقبل: كيف يمكن للأردن أن يعزز موقعه في هذه المرحلة المفصلية؟
الدرس من التجارب السابقة
الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة لم يعد خيارًا آمنًا، فقد أثبتت التجارب أن واشنطن تتخلى عن حلفائها عندما تتعارض مصالحها الاستراتيجية مع التزاماتها. المثل المصري يقول: “المتغطي بالأمريكان عريان”. والواقع خير شاهد؛ فالمشهد الأوكراني أبرز مثال حيّ. فقد تُركت كييف تواجه مصيرها بعدما تم استنزافها في حرب طويلة مع روسيا، بل وطالبتها واشنطن مؤخرًا بسداد ثمن الأسلحة والذخائر التي أُرسلت إليها خلال الحرب. ما جرى لأوكرانيا درس يجب أن يُقرأ جيدًا في عمّان، إذ لا يجوز أن يبنى أمن الأردن القومي على رهانات أثبتت فشلها.
خيارات الأردن الاستراتيجية
أمام الأردن اليوم ضرورة البحث عن بدائل حقيقية، قائمة على شراكات استراتيجية متينة، ليس فقط اقتصادية أو سياسية، بل شراكات أمنية وعسكرية قادرة على التدخل لحماية الأردن إذا اقتضت الظروف.
1. دول الجوار:
من المنطقي أن يبدأ الأردن بتعزيز تحالفاته مع دول الجوار، فهذه الدول هي خط الدفاع الأول. وحتى إن لم تملك جميعها القدرة العسكرية الكافية، إلا أن تحالفها مع الأردن في لحظة الخطر سيشكل غطاءً سياسيًا وميدانيًا لتسهيل مرور الدعم والسلاح، وربما المقاتلين إذا ما فُرضت مواجهة مفتوحة.
2. القوى الإقليمية:
هناك قوى إقليمية أثبتت في السنوات الماضية أنها لا تؤمن بنظرية “رابح واحد” كما تفعل الولايات المتحدة، بل تتبنى نظرية شراكة تقوم على “الربح للجميع”.
• تركيا تمثل خيارًا مهمًا، بما لها من ثقل عسكري وسياسي وقدرة على موازنة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
• باكستان، الدولة النووية التي لم تُخف موقفها من إسرائيل، يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا مهمًا للأردن.
3. القوى الدولية:
في موازين السياسة الدولية، لا يمكن للأردن أن يغض الطرف عن روسيا، التي تسعى لتثبيت حضورها في الشرق الأوسط كقوة موازنة للولايات المتحدة. تعميق العلاقات مع موسكو قد يفتح أمام الأردن هامشًا جديدًا للمناورة ويمنحه ورقة ضغط إضافية.
4. مصر:
تظل مصر حجر الزاوية في الأمن الإقليمي، وأي تهديد للأردن هو تهديد مباشر للأمن القومي المصري. من هنا، يجب أن يتبلور تحالف أردني–مصري معلن، يتجاوز التنسيق السياسي والاقتصادي إلى شراكة دفاع مشترك واضحة، على غرار التحالفات الكبرى.
الجيش الشعبي… خيار لا بد منه
لو كنت صانع القرار، لما انتظرت الغد. بل من اليوم، يجب العمل على إعادة بناء منظومة عسكرية شعبية موازية، تُعنى بتدريب الشباب الأردني القادرين على حمل السلاح. لا نقول تسليحهم بأسلحة ثقيلة، بل على الأقل تدريبهم على الأسلحة الخفيفة، ليكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم ووطنهم إن دعت الحاجة. فهذا واجب وطني لا يقل أهمية عن أي مسار دبلوماسي أو تحالف سياسي.
كلمة أخيرة
الأردن ليس دولة عابرة في الإقليم، بل هو قلب المنطقة وجسرها بين المشرق والمغرب. وأي استهداف له لن يكون معزولًا عن مشروع “إسرائيل الكبرى”. من هنا، فإن الخيارات البديلة والتحالفات الحقيقية هي مسألة حياة أو موت. الثقة بصانعي القرار الأردنيين كبيرة، لكنّ صوت المواطن المخلص لوطنه يبقى تذكيرًا دائمًا بأننا جميعًا جنود في هذا الوطن، ندافع عنه بالكلمة كما بالسلاح، وبالدبلوماسية كما بالصمود.