الزغول لـ"أخبار الأردن": مرحلة مخيفة مقبلة

 

قالَ الباحثُ في مركز الإمارات للسياسات، الدكتور محمد الزغول، إنّ الحقبةَ التي تَصدَّر فيها الرئيسُ الأمريكيّ دونالد ترمب مشهدَ القوة العظمى، لم تكن حادثًا عابرًا بقدْر ما كانت تتويجًا دراماتيكيًّا لحالةِ "اللانِظام الدولي" التي دشّن شرارتَها الأولى فلاديمير بوتين باقتحام حدودِ دولةٍ ذاتِ سيادةٍ ومحاولةِ إخضاعِها كلّيًّا أو اقتطاعِ أجزاءٍ إستراتيجيةٍ من أراضيها؛ الأمرُ الذي كَسَرَ بشكلٍ صريح مبدأَ عدمِ جوازِ الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وأعادَ تعريفَ حدودِ الممكن والممنوع في السلوك الدولي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ هذا الانفلاتَ أطلقَ شهيّةَ القوى الإقليمية والمتوسطة لإعادةِ بناء خرائطِ الجوار عبر القضمِ التدريجيّ والابتلاعِ المباشر، مستفيدين من تفكّكِ منظوماتِ الضبط والردع الجماعي، ولئن بدا المشهدُ العسكريُّ الأكثرَ لفتًا للأنظار، فإنّ "العطبَ المؤسسي" هو الأخطرُ؛ إذ يتبدّى، بحسبِ تعبيره، في تراجعِ فاعليةِ الأمم المتحدة، وشللِ مجلسِ الأمنِ أمام معظمِ أزمات العقدِ المنصرم، والاستهانةِ العلنية بقراراتِ محكمةِ العدلِ الدولية، بل ومحاولاتِ الالتفاف عليها ومعاقبتِها حين تمسُّ مصالحَ الفاعلين النافذين، فضلًا عن إضعافِ المنظماتِ الإقليميةِ الجامعة من قبيلِ جامعةِ الدول العربية ونظيراتِها حول العالم.

وبيّن الزغول أنّ أمثلةَ "اللانِظام" تتكاثرُ على نحوٍ يشي بانتقالِ العالم من الاستثناءِ إلى القاعدة، إذ يظهر ذلك من خلال الهجومِ الهنديِّ المباغت في كشمير، إلى استهدافِ البرنامجِ النوويّ الإيرانيّ خارجَ أيِّ غطاءٍ قانونيٍّ ملزِم، مرورًا بحسمِ أذربيجان ـ بعد توثيقِ صِلاتٍ تسليحيّةٍ واستراتيجية ـ ملفَّ ناغورنو كاراباخ بالقوةِ المسلحة وفرضِ ممرِّ "زَنجزور" على حسابِ المصالحِ الأرمينية، مع عجزِ موسكو عن مدِّ العونِ لحليفتِها؛ وصولًا إلى نزعاتِ الهيمنةِ على الممراتِ البحريةِ الإستراتيجية، من قناةِ بنما إلى خليجِ المكسيك، بما يعكسُ ـ في أدبياتِ نقدِ الهيمنة ـ ولعًا متزايدًا بمنطقِ "فرضِ الأمرِ الواقعِ" وإعادةِ ترسيمِ الحدودِ الاقتصاديةِ والأمنية.

واستطردَ الزغول قائلًا إنّ إسرائيل تُجسِّد ـ في المسرحِ الشرقِ أوسطي ـ أكثرَ التعبيراتِ فجاجةً عن المزاجِ التوسّعي، إذ تُحسنُ توظيفَ لحظةِ الانكشافِ الإستراتيجيِّ وتصدّعِ الشرعيةِ الدولية لتعظيمِ مشروعِها الاستعماريّ، من دون أن تكونَ ـ بطبيعةِ الحال ـ الفاعلَ الوحيدَ الساعي لاستثمارِ هشاشةِ قواعدِ اللعبة، بَيْدَ أنّ ما يضاعفُ خطورةَ اللحظةِ الراهنة هو تراكبُ النزعاتِ التوسعيةِ مع انهيارِ أدواتِ تسويةِ النزاعات، وتآكلِ الثقةِ في القانونِ الدوليّ والمؤسساتِ الرّاعيةِ له، بحيثُ تغدو "الفوضى المُقنَّنة" عنوانًا مضمَرًا للمرحلة.

ولفتَ إلى أنّ استمرارَ هذه الديناميّاتِ يُرجَّح أن يُنتِج ـ في المديين القريب والمتوسط ـ موجاتٍ متعاقبةً من القضمِ والابتلاعِ والاستيلاء القسري، إلى أنْ تتبلورَ بنيةُ نظامٍ دوليٍّ جديدٍ وتستقرَّ توازناتُ قوى مختلفةٌ بقواعدِ اشتباكٍ مُغايرة، وعندئذٍ، لن تكونَ التغيّراتُ تجميليةً أو هامشيةً، وإنما جذرية تُعيد تعريفَ السيادةِ وحدودِ الفعلِ الدوليّ، وتفرضُ إعادةَ كتابةِ "العقدِ الاجتماعيّ" بين الدولةِ والنظامِ العالميّ.