إنذار للأردن.. مشروع "إسرائيل الكبرى" يتحرك على 3 جبهات

 

د. نبيل العتوم

تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة عن تمسكه برؤية “إسرائيل الكبرى” لم تكن مجرد دعاية انتخابية أو إرضاءً لليمين المتطرف، بل رسالة واضحة المعالم تحمل تهديدًا مباشرًا للأردن ودول الجوار.؛ وفي مقدمتها مصر وسوريا ..لا شك بأن  إدراج أجزاء من الأردن ضمن خريطته الذهنية يكشف عن انتقال الخطاب من التنظير الأيديولوجي إلى التمهيد العملي، خاصة في ظل تحركات ميدانية في الأغوار وتعزيز الوجود العسكري والاستخباري قرب الحدود الأردنية.

هذا التهديد يتكامل مع المشهد الفلسطيني المشتعل، حيث تفرض إسرائيل في الضفة الغربية واقعًا جديدًا يقوم على التوسع الاستيطاني، وتقطيع أوصال المدن، وإضعاف السلطة الفلسطينية، وفصل الضفة عن عمقها الأردني. هذه السياسات لا تمس الفلسطينيين وحدهم، بل تضرب دور الأردن في القدس والمقدسات، وتفتح الباب أمام ضغوط سياسية وأمنية قد تعيد طرح فكرة “الوطن البديل” من جديد.

وفي الوقت الذي تحدد فيه الضفة شكل الخريطة، ترسم غزة إيقاعها. فالحرب المتواصلة من قصف وحصار وتهجير تخلق نموذجًا لإدارة الأراضي بالقوة دون أفق سياسي، وهو نموذج يمكن تطبيقه على الضفة إذا نجح، ما يجعل الحدود الغربية للأردن أكثر هشاشة، ويضاعف مخاطر التهريب والتسلل، ويفتح المجال أمام شبكات فوضى إقليمية قد تمتد نحو الداخل الأردني.

لكن الخطر لا يأتي من الغرب وحده. جنوب سوريا، وخاصة السويداء، تحوّل إلى ساحة تتحرك فيها إسرائيل بهدوء عبر نشاط عسكري و استخباري وتقني واستطلاع ورصد جوي وبري، مستغلة الانقسامات الداخلية وحالة الفوضى لتوسيع نفوذها غير المباشر. عبر شبكات تهريب ووسطاء محليين، تقترب تل أبيب من الحدود الأردنية الشمالية الشرقية، ما يخلق ضغطًا مزدوجًا على عمّان من جهتين ويزيد من أعباءها الأمنية والاستخبارية.

وسط كل هذه التطورات، يلفت الانتباه صمت الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للأردن. فواشنطن تتجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، مفضلة الحفاظ على توازنها الإقليمي وحساباتها الداخلية، ما يمنح تل أبيب مساحة أكبر لفرض وقائع جديدة، ويضع الأردن أمام معضلة الحفاظ على شراكته مع واشنطن دون التخلي عن خطوطه الحمراء وسيادته.

الخلاصة أن الأردن يواجه تهديدًا مركبًا ومتعدد الجبهات: من الضفة حيث تُرسم خرائط الضم، ومن غزة حيث تُختبر سياسات الإخضاع بالقوة، ومن جنوب سوريا حيث تُفتح نافذة تهديد جديدة، وكل ذلك في ظل غياب ردع دولي فعّال وصمت حليف رئيسي. وإذا لم يتحرك الأردن بسرعة وبحزم، فإن مشروع “إسرائيل الكبرى” قد ينتقل من خانة الشعارات إلى واقع مفروض على الأرض، يعيد رسم الحدود ويقلب المعادلة الجيوسياسية للمنطقة. التحصين الداخلي، ورفع الجاهزية على كل الجبهات، وتفعيل التحالفات الإقليمية، وتدويل أي تهديد للسيادة أو للوضع التاريخي في القدس، لم تعد خطوات اختيارية، بل ضرورة عاجلة في سباق مع الزمن. فالخطر الذي يتحرك الآن بصمت قد يصبح غدًا حقيقة يصعب تغييرها، وحينها ستكون الكلفة على الأردن والمنطقة أضعاف كلفة الردع المبكر اليوم.