الدولة المؤجَّلة... نبيل عمرو يفتح ملف فلسطين بين وهم الاعتراف وحقيقة الصمود
قال وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق نبيل عمرو إن المقاربة الجادة لأي نقاش حول المشهد الداخلي الفلسطيني تقتضي، ابتداءً، العودة إلى السؤال الجوهري المرتبط بما إذا كانت تقوم القيادة السياسية الفلسطينية، بمنظومتها الحاكمة وطبقتها السياسية القائمة، بما هو مطلوب منها للحفاظ على الحد الأدنى من مكتسبات النضال الوطني، ولا سيما تلك المتعلقة بالثبات على الأرض ومقاومة كل أشكال التهجير القسري.
جاء ذلك خلال جلسة نقاشية بعنوان: "الأردن والشرق الأوسط الجديد"، نظمتها مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير، تحدث فيها نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور مروان المعشر، بحضور نخبة من أصحاب الاختصاص.
وبيّن عمرو أن بدايات مسار أوسلو شهدت حالة من التفاؤل المفرط، حين تراءى أنّ الدولة الفلسطينية المستقلة باتت على مرمى حجر، بعد أن جرت أول انتخابات عامة، وتشكلت حكومة منتخبة، وأُقرت موازنة وطنية، ما منح الكيان الفلسطيني آنذاك ملامح الدولة الوليدة، غير أنّ هذا الحلم تراجع تدريجيًا، وتبددت ملامحه، ليفرض الواقع الراهن تحديات مضاعفة على الطبقة السياسية، التي ما زالت – بحكم الشرعية المعترف بها دوليًا – الجهة التي يخاطبها العالم حين يريد التأثير في الشأن الفلسطيني.
وأوضح أن المطلوب اليوم هو التركيز على تثبيت المواطنين في أرضهم، وضمان توفير الخدمات الأساسية لهم، ثم إعادة صياغة نظام الحكم على أسس سليمة، تضمن أن تكون مؤسساته في خدمة الصالح العام. وهنا يتبدى القصور الواضح في الأداء السياسي والإداري، وهو قصور يستوجب المعالجة الفورية إذا ما أردنا الانتقال من موقع ردّ الفعل إلى بناء قدرة وطنية صلبة.
وأشار عمرو إلى إنّ قيام الدولة الفلسطينية – سواء أكان بعد سنوات قليلة أم حتى بعد قرون – لا يتوقف على عدد الاعترافات الدولية، ولا على إذن أمريكي أو ضوء أخضر إسرائيلي، وإنما على ما يُبنى فعليًا على الأرض، في البنية المجتمعية والمؤسسية، فالشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى الانتقال من قهر الاحتلال إلى قهر أنظمة سياسية مختلة، بقدر ما يأمل في إقامة نظام وطني حديث، ديمقراطي، مؤسسي، قادر على الصمود والمواجهة والتخطيط للمستقبل.
ولعل المفارقة أنّ النظام السياسي الفلسطيني كان – في فترات سابقة، حتى ونحن في المنافي – أكثر تماسكًا مما هو عليه اليوم، بينما الحاجة إليه الآن، في ظل وجودنا على أرضنا وبين شعبنا، أشدّ من أي وقت مضى، وهذا الغياب للبنية المؤسسية الراسخة يجعل الحديث عن الدولة مجرد طموح غير قابل للتحقق ما لم يُعالج الخلل البنيوي من جذوره، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن".
ونوّه عمرو إلى أن الوحدة الوطنية الفلسطينية – إذا أُريد لها أن تكون حقيقية وفاعلة تُبنى على مؤسسات منتخبة تمكّن الشعب من المشاركة في صياغة حاضره ورسم مستقبله، لا على لقاءات شكلية أو تفاهمات ظرفية بين حركتي فتح وحماس، ذلك أن الاكتفاء بتداول السلطة داخل حلقة ضيقة من "ورثة الفصائل التاريخية" فهو تكريس لجمود سياسي يعيق أي إمكانية للتجديد والتطوير.
وأردف أن العودة إلى انتخابات حرة ونزيهة، بإشراف دولي، تمثل المدخل الطبيعي لإنتاج نظام سياسي قادر على دعم صمود الفلسطينيين، وعلى الانخراط بفاعلية في أي مسار سياسي يطرحه المجتمع الدولي، مستطردًا أن إعادة بناء هذا النظام ضرورة وجودية، خاصة في ظل ما نعيشه من احتلال واستيطان ومجازر – كما في غزة – وتصفية بطيئة للوجود الفلسطيني في الضفة الغربية.
واختتم عمرو حديثه بالإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني، الذي يتابع بقلوب معلقة ما يجري في كل شبر من أرضه – سواء في غزة أو الضفة أو القدس – يدرك أنّ المعركة أيضًا مع تحدي بناء بيت سياسي داخلي متين، يكون ركيزة لأي تحرّك أو مواجهة أو تسوية في المستقبل، فبدون ذلك، ستظل الدولة المنشودة فكرة مؤجلة، مهما تعددت المؤتمرات أو تصاعدت موجات الاعتراف الدولي بها.