التل يكتب: الفرصة والمخاطرة!!

 محمد حسن التل 

تتخذ الحكومة الإسرائيلية قرارها باحتلال غزة وتضع خطة للجيش بأن يحتل مركز القطاع في مدينة غزة، بحجة استرجاع الرهائن والقضاء على حماس بعد محاصرتها، وهذان الهدفان يعلنهما نتنياهو منذ بداية العدوان على غزة، وينتقل من محطة إلى أخرى في حربه هذه على القطاع..

والاسرائيليون والمجتمع الدولي ، حتى حلفائه يعلمون أنه يخفي خلف هذه الأهداف أهدافًا أخرى، في مقدمتها إعادة إحتلال قطاع غزة بالكامل مع الإشارة أن الجيش الإسرائيلي يحتل منذ أحداث السابع من أكتوبر حتى اليوم 75% من مساحة القطاع والجزء المتبقي تحت نيرانه، وقد دمر معظم قدرات حماس أهمها الصواريخ التي كانت إسرائيل تعتبرها المهدد الأساسي الذي يقلق سكانها ويهدد أمنها!!

نتنياهو مصر على الاستمرار في حربه على غزة، وتنفيذ عملية تجويع وإبادة وتدمير ممنهجة لم يعرفها التاريخ الحديث ولا المعاصر لتحقيق أهداف أخرى كما أشرت غير تلك المعلنة أبسطها الحفاظ على استمراره في الحكم، وأهمها احتلال كافة الأراضي الفلسطينية، وإعدام أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية ليس فقط إرضاء لحلفائه في الحكومة الذين يشكلون واجهة اليمين المتطرف في إسرائيل، بل أيضا بناء لحلقات المشروع الإسرائيلي وقاعدته احتلال فلسطين بكاملها، باعتبار أن هذا عند الإسرائيليين وعد سماوي، وهم لا يعملون بأسلوب الفزعة حسب الظرف بل يخططون لمائة سنة للأمام لاستكمال ما أنجزوه بمشروعهم في المائة السنة الماضية ، ومن يخرج عن هذا النهج يدفع الثمن كما حصل مع رابين!!

نتنياهو يجد الفرصة سانحة والواقع مهيأ لاحتلال غزة، كمقدمة لتهجير أهلها بعد أن اشبعهم قتلا وتدميرًا وتجويعا وأنهكهم على مدار عامين، مستغلا ضعف الموقف الدولي الذي لم يتجاوز الكلام المفرغ من الفعل وغياب أي إجراءات على الأرض تردع إسرائيل عن جريمتها، مع موازاة الضوء الأخضر من حلفائها لفعل ما تشاء في غزة والضفة الغربية عندما يأتي دورها ..يهودا والسامرة التي يعتبرها الإسرائيليون درة التاج الإسرائيلي!!

داخل إسرائيل ترتفع الأصوات خصوصًا من الجيش بأن احتلال إسرائيل والسيطرة على غزة، يعني توريط الجيش في مواجهة مفتوحة مع الإشارة أن المطبخ السياسي لديهم يحاول الابتعاد عن استخدام مصطلح الإحتلال، لأن الحكومة الإسرائيلية إذا تبنت هذا المفهوم فستكون حسب القانون الدولي مسؤولة عن سكان غزة في كل أمر يتعلق بحياتهم على مختلف مستويات الخدمات صغرت أم كبرت، هذا إذا احترمت القانون الدولي أصلًا.. لذلك تدعي أنها ستيسيطر على القطاع للقضاء على الإرهاب الذي يهدد أمنها..

وادعاء نتنياهو أن احتلال غزة لن يدوم وأن إسرائيل ستسلم إدارتها لإدارة مدنية لن تكون حماس جزءًا منها ولا حتى السلطة الفلسطينية، مراوغة سياسية مكشوفة لأنه يعلم أن الدول العربية ترفض أن تكون جزءا من هذا المشروع كذلك فأن أي من أهل غزة لن يقبل أن يكون واجهة للإدارة التي يتحدث عنها رئيس وزراء إسرائيل لأن ذلك يعني حرب بين أبناء غزة أنفسهم، هذا يعني أن نتنياهو يراوغ في التعبير عن ما ينوي فعله، وأنه قرر جعل التواجد الإسرائيلي هناك دائمًا بحجة أنه لا يوجد أي طرف يرضى بأن يملأ الفراغ في حالة انسحاب الجيش الإسرائيلي خصوصًا أن شركاءه في الحكومة لا يخفون رغبتهم وإصرارهم على السيطرة على القطاع من جديد، وهم بالفعل بدؤوا بوضع المخططات لإعادة الاستيطان في غزة كما أعلن سمورتج وغيره من وزراء التطرف والإرهاب، وهذا على الأرجح أنه اتفاق بين نتنياهو وبينهم تحت الطاولة.

أما المجتمع الإسرائيلي الذي يظهر بأنه رافض لما يجري في غزة وللخطط المستقبلية للحكومة موقفه هذا ليس نابعًا من حرصه على حياة الفلسطينيين وتمكينهم من إقامة دولة ، بل في الحقيقة هم يعبرون عن خوفهم على ما تبقى من رهائن في غزة ثم خوفًا على أبنائهم في الجيش عندما يزجون في مواجهة مع الفلسطينيين في القطاع بحرب شوارع لا يستطيع أحد أن يقدر نهايتها، و استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير في الغالب إلى أن المجتمع الإسرائيلي يتجه بمعظمه نحو اليمين المتطرف ويرفض أي نوع من المشاركة على الأرض مع الفلسطينيين وكل ما يدور الآن في إسرائيل هو الخلاف على طريقة استرداد الرهائن وحماية الجيش، فإذا تحقق الهدف الأول قطعًا ستزداد شعبية نتنياهو وثقة المجتمع الإسرائيلي به وتأييده بمشروعه باحتلال كامل الأراضي الفلسطينية، إذا تضمنت خطة احتلال غزة عوامل كافية لحماية الجنود وتوفير أكبر قدر ممكن للحفاظ على حياتهم ..

مصير غزة اليوم بين فرصة يراها نتياهو ومخاطرة يخاف منها الجيش ومن الأرجح في ضوء ما يجري من أحداث فإن الفرصة التي يراها نتياهو هي التي ستكون غالبة ....