الرواشدة يكتب: سؤال مهم : كيف نتعامل ،أردنياً ، مع إسرائيل ؟
حسين الرواشدة
في إطار توجيه النقاش العام حول أولوية "حماية الأردن"، ثمة سؤال مهم : كيف نتعامل مع إسرائيل ؟ الإجابة السريعة التي يتوافق عليها الأردنيون: الكيان المحتل عدو ومصدر تهديد للدولة الأردنية، وربما يشكل في هذه المرحلة بالذات خطراً وجودياً، أو بصيغة أخرى ، مفاصلة بين وجودين.
تتصرف الدولة الأردنية، إستراتيجياً، وفق هذا التصور ، وهي تدرك -في تقديري - أن ساعة المواجهة دقّت ؛ إسرائيل كشفت عن وجهها الحقيقي الذين نعرفه ، والوقائع التي افرزتها الحرب على غزة ،وما بعدها ، تشير إلى أننا أمام مشروع صهيوني اكتمل تماماً، يستهدف محاولة تصفية القضية الفلسطينية ، ويريد أن يُحمّل الأردن أعباء هذه التصفية ، وربما تتجاوز أهدافه أبعد من ذلك ، لوضع المنطقة كلها تحت قبضة إسرائيل.
أكيد ، الأردن لا يفكر بإعلان الحرب على إسرائيل أو إعطائها أي ذريعة للقيام بذلك ، ما زال يرتبط معها بمعاهده سلام ، وهو يستخدمها في إطار الممكن السياسي ، وفق معلومات مؤكدة رفض الأردن أي اختراق إسرائيلي لسيادته إبان الحرب بين تل أبيب وطهران ، جرّب الأردن ، أيضا ، معادلة الردع السياسي مع إسرائيل أكثر من مرة، ولوّح بمواجهة عسكرية إذا لم تلتزم إسرائيل بالمعاهدة، ثمة محاولات عديدة جرت للتحرش بالأردن وكان الرد الأردني حازماً، لدى عقل الدولة الأردنية قناعة أن إسرائيل قد تندفع إلى المجهول ، لكن "لحم الأردنيين مُّر"، وهي تدرك ذلك.
على مدى العامين المنصرفين ، أدار الأردن معركة دبلوماسية ضد إسرائيل ، كان هدفه وقف الحرب على غزة وافشال مخططاتها وتأليب الرأي العام الدولي عليها، ثم العودة إلى المسار السياسي ، استطاع أن يخترق عواصم مهمة على الجبهة الأوروبية ، كما تمكن من إزاحة مشروع التهجير الذي لوح به " ترامب"، هذا بالطبع لا يكفي ؛ الضفة الغربية هي امتحان الأردن في المواجهة القادمة مع إسرائيل ، ملف التهجير تحت أي عنوان ، وملف القدس والمقدسات ، يشكلان التهديد المباشر للمصالح العليا للدولة الأردنية ، اللاءات الثلاثة التي اطلقها الملك لا تخضع للنقاش السياسي، لكن ربما تخضع للمواجهة مع إسرائيل ، وهنا يبدو سؤال الاستعدادات والجهوزية سؤالا أردنيا امتياز.
اترك الإجابات على سؤال الجهوزية لإدارات الدولة ، وأثق ، تماما ، بما تقوم به ، كما أجزم أنها تتحرك تحت عنوان (لا نخاف )، وهو عنوان يكفي للتحرر من حالة الأحساس بالضعف أو العجز التي يروج لها البعض ، وتتبناها بعض التيارات داخل بلدنا وخارجه في إطار حملات التشكيك التي تستهدفنا ؛ نحن نمتلك كل ما يلزم من مقومات المواجهة ، تاريخنا يشهد على ذلك ، واستدعاؤه ضروري لرفع الهمة وإحياء الروح الوطنية ، لكن الواجب ،أيضا، أن نبدأ على الفور بخطوات جادة لإفراز مشروع وطني لمواجهة أي عدوان ضد بلدنا، هذا يقتضي تعزيز "مجتمع المواجهة" ، كيف ؟ اعتقد ان وصفة وصفي التل ، قبل نحو 60 عاماً، مع بعض التعديلات ، ما زالت صالحة للاستخدام.
قلت : "مجتمع المواجهة" ،اقصد أن أقوى «ورقة» يمكن ان نعتمد عليها، في غياب العمق العربي، و انكشاف ظهورنا، وتوحش المحتل الصهيوني وعدم قدرة العالم على لجمه، هي ورقة "نحن" الأردنيين ، فكما فعلنا ، تماماً ،في «الكرامة المعركة»، يمكن أن نفعل في"الكرامة المشروع" للمواجهة الآن، هذا يحتاج أن نثق أولاً بالدولة ونحتشد خلف قيادتها ومؤسساتها ، كما يحتاج من إدارات الدولة أن تغير سلوكها اتجاه المجتمع، ابتداء من"تصفير " الأزمات الداخلية، ثم ترسيم العلاقة بينها وبين الأردنيين من خلال مشاركتهم في تحمل مسؤوليات ما يصدر من قرارات، سواء أكانت في سياق مراجعة الماضي، وما جرى على صعيد العلاقة مع تل أبيب، او ما سوف يجري مستقبلاً.