خامنئي يُفعّل "الخطة ب".. وحديث عن انقلاب ناعم في إيران
قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إن عودة علي لاريجاني إلى الواجهة السياسية الإيرانية تمثّل محطةً بالغة الدلالة، ذلك أن توقيتها يكشف عن تحولات كامنة في بنية القرار داخل النظام، وتحديدًا فيما يتعلّق بإعادة صياغة معادلة التوازن بين أجنحة السلطة المتنازعة داخل الجمهورية الإسلامية.
وأوضح العتوم في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه العودة، من حيث الجوهر، تعكس فشلًا ذريعًا لمحاولات التهميش الممنهجة التي تعرّض لها الرجل على مدى السنوات الأخيرة، والتي انطلقت أساسًا من صميم التيار المحافظ المتشدد، بقيادة رموز متنفّذة على غرار سعيد جليلي، ومحسن رضائي، وتكتلات راديكالية كـ"جبهة پايداري" أو ما يُعرف بـ"جبهة الصمود".
وبيّن العتوم أن هذا التيار، سعى عبر أدواته الإعلامية، والسياسية، والمؤسسية، إلى نزع الشرعية السياسية عن لاريجاني، بوصفه ممثلًا لما يمكن تسميته بـ"المحافظة البراغماتية"، أي ذلك النمط من السلوك السياسي الذي يحافظ على الولاء العقدي للنظام، دون الانزلاق إلى منطق الصدام الأيديولوجي أو التصلّب المبدئي، غير أن قرار إعادة تعيينه، وإن كان في ظاهره إجراء إداري، ينطوي في جوهره على إقرارٍ صريح من قبل المرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، بضرورة إعادة تفعيل بعض أوراق التوازن السياسي التي كان قد جمّدها في مرحلة ما، تحت وطأة ضغط التيار الأصولي المتشدد.
وذكر أن دلالة التعيين تهدف إلى تكريس انتصار ناعم للجناح المحافظ المعتدل، في وجه معسكرٍ حاول احتكار تمثيل "الشرعية الثورية" وتقديم نفسه بوصفه التعبير الأوحد عن "النهج الخميني الأصيل"، مضيفًا أن ما يزيد من ثقل هذا التحوّل أنه يتزامن مع تحوّلات دولية وإقليمية معقّدة، تستدعي من مؤسسة القيادة أعلى درجات الحذر الاستراتيجي وإعادة التقدير لتوزيع الأدوار داخل بنية الدولة العميقة.
ولفت العتوم الانتباه إلى أن هذه العودة يمكن تفسيرها ضمن 3 مستويات دلالية تبدأ برسائل الداخل المرتبطة بإعادة التوازن، فإعادة تعيين لاريجاني، يقرأ، بوصفه محاولة واعية لإعادة إنتاج التوازن السياسي داخل النظام، خاصة بعد أن تصاعدت نبرة التيار المتشدد وتمادى في محاولاته للهيمنة المطلقة على مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وحتى الأمنية، فخامنئي، الذي لطالما أدار تعقيدات النظام بمنطق "تعدد الأقطاب المضمونة الولاء"، يدرك أن ترك المجال مفتوحًا أمام جناحٍ واحد، خصوصًا إذا كان ذا نزعة صدامية، قد يعرّض النظام لحالة من الانغلاق الذاتي والانفصال عن المتغيرات المجتمعية والجيلية وحتى الاقتصادية، ومن هنا، فإن إعادة إدماج شخصية مثل لاريجاني – ذات الخبرة المؤسسية الواسعة، والرؤية السياسية المرنة – تهدف إلى ترميم التوازن الهش ومنع تغوّل فصيل على حساب باقي مكونات النظام.
مرورًا بالرسائل الخارجية المتعلقة بإمساك مركزي بملف التفاوض، فعودة لاريجاني تُفهم على أنها رسالة مزدوجة الاتجاه، فمن جهة، هي رسالة طمأنة إلى القوى الغربية (لا سيما أوروبا والولايات المتحدة)، بأن طهران ليست منغلقة تمامًا على خطاب التشدد، وأن ثمة شخصيات لا تزال تحتفظ برؤية تفاوضية براغماتية، سبق أن خَبِرَتها الأطراف الغربية خلال المفاوضات النووية في مراحلها السابقة، ومن جهة أخرى، تُوجَّه الرسالة أيضًا إلى كلٍّ من روسيا والصين، بأن إيران، وإن كانت حليفًا تكتيكيًا في بعض الملفات، إلا أنها لن تُسلِّم دفة قراراتها الاستراتيجية إلى المحاور الخارجية، وأن المرشد لا يزال يحتفظ بالقرار المركزي – لا سيما في ما يتعلق بمستقبل الملف النووي، والتموضعات الإقليمية.
أما المستوى الثالث والأخير، فيشير إلى أفق ما بعد خامنئي، إذ من المؤكد أن تعيين لاريجاني يعيد فتح النقاش حول مسألة "ما بعد خامنئي"، باعتباره ملفًا يتعلّق بإعادة بناء النخبة السياسية القادرة على إدارة النظام في مرحلة ما بعد المرشد، فبعد مسلسل الاغتيالات والتصفيات الغامضة التي طالت عددًا من القادة والكوادر الاستراتيجية داخل الحرس الثوري والمؤسسات السيادية، يبدو أن مؤسسة القيادة بصدد "إعادة إنتاج" جيل جديد من النخب، يتمتع بالولاء لكنه غير معادٍ للمرونة، ومؤمنٌ بمبادئ الثورة دون أن يكون أسيرًا لجمودها الأيديولوجي.
وعليه، فإن إعادة تفعيل لاريجاني قد تمهّد الطريق، ولو جزئيًا، لبروز شخصيات أكثر توازنًا في المرحلة المقبلة، ما قد يثير حفيظة الجناح المتشدد ويدفعه إلى شنّ هجمات مضادة، إعلامية أو سياسية، في محاولة لإجهاض هذا المسار قبل أن يتحوّل إلى معادلة دائمة.
واختتم العتوم حديثه بالإشارة إلى أن قرار إعادة لاريجاني ليس سوى رأس جبل الجليد الذي يخبّئ تحته صراعًا خفيًا على إعادة تعريف "الشرعية السياسية" داخل النظام الإيراني، وهو قرار تتقاطع فيه الاعتبارات الداخلية مع الحسابات الإقليمية والدولية، وتتشابك فيه رهانات السلطة مع متطلبات الاستقرار، ولئن كان ظاهر القرار يشير إلى "عودة رجل"، فإن باطنه ينذر بانطلاق مرحلة إعادة بناء النظام نفسه، بتوازناته، وخطابه، وممثليه.