الدباس يكتب: تسوية يوم القيامة.. هل نتقبل الحقيقة ونصحو.. أم نبقى أسرى الوهم؟!..

محمود الدباس - أبو الليث..

لسنا أمام خبر عابر.. ولا أمام مشروع يمكن أن يمر ثم يُنسى.. نحن أمام لحظة فاصلة.. إما أن نفتح أعيننا على الحقيقة المرة.. أو نبقى غارقين في وهمٍ صنعناه بأيدينا.. لحظة قد تُسمى تسوية يوم القيامة.. لكنها في حقيقتها.. امتحان يقيس مدى وعينا وقدرتنا على النهوض.. قبل أن يُغلق الباب إلى الأبد..

حين يخرج مشروع E‑1 إلى العلن.. ويُعرض للتصويت في الكنيست.. نكون وجهاً لوجه أمام محطة مصيرية في تاريخ صراعنا مع الكيان الصهيوني.. مشروع لم يُسقطوه يوماً من حساباتهم.. بل خبّأوه دهراً كما يُخبئ الصياد سهمه الأخير.. وكل مرة كان يُطرح يؤجلونه.. لا لأنهم عدلوا عنه.. بل لأنهم كانوا ينتظرون اللحظة التي نصبح فيها نحن أضعف.. وحين تصير أصواتنا مجرد صدى باهت..

اليوم.. ومع ما فعل جيش الاحتلال في غزة من دمار طال البشر والحجر.. ومع ما يجري في الضفة من تجريف وابتلاع للأرض.. ومع تطويق حزب الله ومحاصرته في جنوب لبنان وجنوب سوريا.. ومع الضربات التي أضعفت برنامج إيران النووي.. وجد الكيان الصهيوني أن الظروف اكتملت.. وأن اللحظة حانت لتمرير ما كان بالأمس خطاً أحمر.. فبدأ بقرار ضم الضفة.. ثم ها هو يدفع بمشروع E‑1 للكنيست.. متيقناً أن أصواتنا لن تتجاوز بيانات شجب.. وأن صرخاتنا لن تخرج بعيداً عن شاشاتنا.. وأن العالم سيغض بصره.. ما دُمنا نحن أول مَن أغمض عينيه..

مشروع E-1.. أو ما يُسمى بتسوية يوم القيامة.. ليس مشروع بناء آلاف الوحدات السكنية فحسب.. بل مشروع دفن أي حلم فلسطيني بدولة حقيقية.. إنه يربط معاليه أدوميم بالقدس.. ويمزق الضفة إلى جزر صغيرة.. يحاصرها الاستيطان.. والجدار.. والجنود.. ليجعل من فكرة الدولة.. مجرد نكتة سياسية.. لا سيادة.. لا عاصمة.. لا تواصل جغرافي.. ولا حتى وهم تفاوضي يمكن أن يُمنح لنا.. إنه إعلان وفاة مشروع الدولة الفلسطينية.. وإشهار شهادة دفنها أمام أعيننا..

هذا المشروع وُضع منذ التسعينيات.. وكل مرة كان يُؤجل بفعل ضغوط خارجية.. لكن الكيان الصهيوني لم يتنازل عنه لحظة واحدة.. بل أبقاه في جيبه.. يخرجه في كل جولة مفاوضات.. ليُرينا أن النهاية قادمة.. وأنه يعرف متى يحسم.. واليوم وجد أن كل الشروط قد اكتملت.. وأننا غارقون في الأماني والأحلام.. نصحو على وعود.. وننام على أوهام..

الخطورة ليست فقط في الخرائط والبيوت التي ستُبنى.. بل في أنه يقسمنا نهائياً.. يخنق القدس الشرقية.. يقطع أوصال الضفة.. ويحوّلها إلى كانتونات هزيلة لا تصلح.. إلا لتكون سجناً كبيراً لشعب بأكمله.. ومن بعده.. لن يكون هناك حديث عن دولة.. بل عن إدارة ذاتية.. تحت رحمة الاحتلال.. أو عن بلديات محاصرة.. تبحث عن تصريح مرور من عدوها لتتنفس..

وماذا عنّا نحن؟!.. ما زلنا ننتظر معجزة من السماء.. ونحن لم نهيئ لها عدتها.. نرفع أكف الدعاء.. وقلوبنا خاوية من العمل واليقين.. نطلب نصراً.. ونحن لم نصنع له أسباباً.. فيما عدونا يخطط بالليل.. وينفذ بالنهار.. يضع البدائل لكل احتمال.. لا يعرف التردد.. ولا يركن للأماني.. يستعمل الإعلام ليخدرنا.. فيوزع علينا مسكنات الوهم.. من مقالاتٍ لإعلامييه.. والمضحك أنها من على منصاته.. فنصدقها.. ونتداولها كأنها حقيقة.. بينما صفحاتنا تصفق للسراب.. وهو يضحك من سذاجتنا..

هذا ليس مشروعاً عادياً.. إنه تسوية يوم القيامة.. لأن الحساب مع الجميع اقترب.. وستسوى فيه الأمور.. ولأن بعده لن يبقى حلم.. ولا أمل.. هو اليوم الذي يغلق فيه الكيان الصهيوني كل الأبواب.. ويعلن أن الأرض صارت له وحده.. ونحن.. إن بقينا على غفلتنا.. لن نجد حتى مكاناً نقف فيه لنلعن خيبتنا..

واعلموا.. أن مَن يمرر مشروع تسوية يوم القيامة.. لا ينتظر احتجاجاتكم على فيسبوك.. ولا بيانات شجبكم.. بل يراهن على غفلتكم.. على أنكم ستصرخون يوماً.. ثم تصمتون دهراً.. على أنكم ستدعون الله.. وأنتم لم تصنعوا ما يستحق الإجابة.. فإذا مضى هذا المشروع.. فلن ينفع بعده بكاءٌ ولا رجاء.. ولن تُجدي كل صرخات الغضب في إعادة أرض اغتُصبت.. أو حق دُفن تحت إسمنت المستوطنات.. حينها سنكون نحن الخاسرين مرتين.. مرة لأن عدونا انتصر.. ومرة لأننا نحن مَن منحه فرصة الانتصار..

فإما أن نكون على قدر التحدي.. أو لن نجد ما نعتذر به للتاريخ.. ولا لأبنائنا من بعدنا..