الاستخبارات التركية توصي بالاستعداد للحرب مع إسرائيل
نشرت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات التركية، التابعة لجهاز الاستخبارات (MIT)، دراسة استراتيجية تناولت أبعاد الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حملت عنوان: "حرب الـ12 يومًا.. دروس لتركيا"، وخلصت إلى توصيات وتحذيرات موجهة لصانع القرار التركي، لمواجهة سيناريوهات الحرب المقبلة ومآلاتها الجيوسياسية.
وقال الكاتب والباحث في الشؤون التركية سمير العركي، إن الدراسة تعد وثيقة تحليلية بالغة الأهمية، وتؤكد أن "تقييم أسوأ سيناريوهات التطورات المتعلقة بإيران من منظور متعدد الجوانب سيعزز مكاسب تركيا"، مشددًا على ضرورة اتخاذ التدابير الاحترازية في ضوء الدروس المستخلصة.
الحرب كشفت عن هيمنة إسرائيلية في ساحة المعركة
وتنقسم الدراسة إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول منها تفاصيل الحرب من زاوية تكتيكية وتكنولوجية، حيث وصفت الدراسة الهجوم الإسرائيلي بأنه مزج بين الأسلحة التقليدية والحرب السيبرانية والإلكترونية.
وأكدت الدراسة أن سلاح الجو الإسرائيلي يُعد من بين الأكثر تطورًا في الشرق الأوسط، مشيرة إلى تفوق الطائرات المقاتلة المزودة بأنظمة اتصالات وحرب إلكترونية محلية الصنع، وذخائر جو-أرض عالية الدقة، مكّنت إسرائيل من تدمير منظومة الدفاع الجوي الإيراني خلال الساعات الأولى من القصف.
كما سلّطت الضوء على وحدة 8200 الإسرائيلية المتخصصة في الحرب السيبرانية، والتي تضم مراهقين في المرحلة الثانوية، مسؤولين عن تنفيذ عمليات تجسس وتحليل الاتصالات وشنّ هجمات إلكترونية، ساهمت في شل قدرات القيادة والسيطرة الإيرانية، وربما بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية، وفق الدراسة.
7 دروس استراتيجية لصانع القرار التركي
الفصل الثاني من الدراسة قدّم مجموعة من الدروس المستخلصة التي يجب على أنقرة الاستفادة منها، أهمها:
1. أهمية الدبلوماسية: أشارت الدراسة إلى أن فقدان إيران للدعم الدولي قبيل الحرب جعلها عرضة لهجوم غير متوازن، مقارنة بتنسيق أميركي إسرائيلي عالي المستوى. بالمقابل، نوّهت الدراسة بنجاح تركيا في تطبيع علاقاتها مع الدول العربية مثل السعودية ومصر والإمارات، كخطوة استراتيجية لمواجهة الأزمات الإقليمية.
2. ضرورة التحالفات الموثوقة: أكدت أن افتقار إيران لدعم حقيقي من حلفائها، خصوصًا روسيا والصين، يعكس هشاشة تحالفاتها، في حين أوصت بتعزيز تركيا لتحالفاتها الأمنية مع دول مثل قطر وباكستان وأذربيجان، والحفاظ على مكانتها داخل حلف الناتو.
3. أولوية السلام الداخلي: حذّرت الدراسة من محاولات اختراق المجتمعات عبر الفوضى الاقتصادية، كما حدث في إيران، داعية إلى تعزيز الوحدة الوطنية في تركيا، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
4. حماية النخب: شددت الدراسة على أهمية تأمين القيادات العسكرية والمدنية العليا في تركيا، على غرار ما حدث في إيران من استهداف مباشر لقيادات الحرس الثوري وعلماء نوويين خلال الضربة الإسرائيلية الأولى.
5. الاستقلال التكنولوجي: دعت إلى تطوير بنية تحتية تكنولوجية محلية، مشيدة بخطوات تركيا لتأسيس منصات تواصل بديلة ونظام تحديد مواقع مستقل عن GPS، مع ضرورة تنفيذ برامج مكافحة تجسس واسعة.
6. تعزيز الدفاع المدني: طالبت الدراسة بإنشاء نظام إنذار مبكر وملاجئ عامة في المدن الكبرى، أسوة بالمنظومة الإسرائيلية التي قللت من الخسائر البشرية رغم القصف الإيراني.
7. التنسيق الأمني الداخلي: حثّت على بناء شبكة أمنية فعالة تبدأ من الحراس المحليين حتى المؤسسات السيادية العليا، لتفادي أي اختراق استخباراتي شبيه بما تعرضت له إيران.
ثلاثة سيناريوهات محتملة ومستقبل غامض
وفي الفصل الثالث، استعرضت الدراسة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، وانعكاساتها على تركيا:
1. السيناريو الأفضل: استئناف المفاوضات
في حال عادت واشنطن وطهران إلى طاولة التفاوض، مع تجميد تخصيب اليورانيوم، فإن ذلك سيُجنب المنطقة التصعيد، ويتيح لتركيا فرصًا لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران، ورفع التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار سنويًا.
2. السيناريو المتوسط: توتر بلا حرب
فشل التفاوض دون حرب جديدة سيؤدي إلى تراجع التجارة، وتهديد مشاريع الطاقة بين البلدين، بالإضافة إلى مخاطر موجات لجوء قادمة من إيران، ما يستدعي من تركيا تعزيز الرقابة على الحدود.
3. السيناريو الأسوأ: عودة الحرب
في حال تجدد الحرب، فإن المنطقة ستدخل في أزمة ممتدة ودموية، وربما تنخرط فيها قوى مثل روسيا أو الصين. ويحذّر التقرير من احتمالية نشوء فراغ أمني على الحدود التركية-الإيرانية، قد يشكل تهديدًا مشابهًا لما شهدته تركيا في شمال سوريا خلال الحرب الأهلية.
وتختتم الدراسة بتحذير صريح من الاسترخاء في ظل التوترات المتصاعدة، مؤكدة أن على تركيا أن تقرأ الأحداث من منظور استراتيجي متعدد الأبعاد، وتبني استراتيجيات متكاملة لمواجهة التحديات العسكرية والدبلوماسية القادمة.