ليث ذياب يكتب: رصانة الدبلوماسية الأردنية وحماية هيبة الوطن
بقلم ليث ذياب – طالب بالجامعة الأردنية
لقد كشفت الاعتداءات الممنهجة التي طالت سفاراتنا ودبلوماسيينا في كندا وأوروبا عن أبهى صور الاحتراف والهدوء التي تميز بها طاقم سفارتنا في كندا. هؤلاء الدبلوماسيون جسدوا نموذجًا يحتذى به في الرزانة والاحتراف، فهم تعاملوا بحكمة والتزموا الصمت بصبر، محافظين على مكانة الأردن وصورته الدولية رغم كل التحديات والاستفزازات التي تعرضوا لها. ومن هذا المنطلق، أرفض بشدة أي انتقاد موجه إلى دبلوماسيينا بسبب عدم ردهم بالعنف على المتطاولين، فالدبلوماسية الأردنية هي فن المواقف الناضجة التي تُتخذ في أصعب الظروف، والسفارة تمثل حصن الوطن الذي لا يجوز التفريط في كرامته أو مكانته بأفعال قد تضر باستقراره.
ومع هذا الالتزام الرصين، لا يمكن تجاهل الواقع الأمني الهش الذي رأيناه بالفيديوهات ببعض سفاراتنا في الخارج. فغياب الحماية الأمنية الكافية، سواء من الدولة المضيفة أو من خلال التنظيم الداخلي، يعرّض بعثاتنا لمخاطر لا يمكن القبول بها. إن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية واضحة في ضرورة توفير الحماية اللازمة للسفارات وموظفيها، ولكن الواقع يشير إلى وجود قصور ينعكس سلبًا على هيبة الأردن وكرامة العاملين فيه. وهنا لا بد من التذكير بـ اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تُعد المرجعية الأساسية في تنظيم العلاقات الدبلوماسية، وتنص بوضوح على واجب الدولة المضيفة في حماية مقرات البعثات من أي اقتحام أو ضرر، وضمان أمن طواقمها ومنشآتها. ومع ذلك، الواقع على الأرض يظهر وجود تقصير يستوجب التوقف عنده بجدية، لما له من أثر مباشر على هيبة الأردن وكرامة ممثليه في الخارج، ورغم أهمية الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، بالتعاون مع الدول المعنية، لتحديد هوية المتورطين في الاعتداءات ومحاسبتهم بموجب القوانين والمواثيق الدولية، إلا أن هذه الخطوات تبقى غير كافية وحدها. المطلوب هو تعزيز الحماية الأمنية للبعثات الأردنية، عبر رفع جاهزية السفارات أمنيًا، وتكثيف التنسيق مع الأجهزة المختصة في الدول المضيفة، بما يحصّن حضورنا الدبلوماسي ويمنع تكرار هذه الاعتداءات
وما يزيد من حدة هذا الأمر هو أن المعتدين في كثير من الأحيان هم من يقيمون في دول تتيح لهم الاحتجاج على سفارات إسرائيل، ومع ذلك يختارون استهداف سفارة الأردن، الدولة التي ظلت دائمًا درعًا حامياً وداعمًا للقضية الفلسطينية، مما يطرح تساؤلات جدية حول ازدواجية المعايير لدى هؤلاء..
في الختام، لا بد أن نؤكد على أن وطننا لا يجوز أن يُترك عرضة للهجمات بلا رادع، ولا يمكن أن يُطلب من دبلوماسيينا مواجهة المخاطر دون توفير حماية تليق بهم وبمكانة الأردن. إن الأردن يستحق منا جميعًا أن نكون صفًا واحدًا، صادقين في ولائنا، حازمين في مواقفنا، ومتحدين في الدفاع عن كرامته في مواجهة كل التحديات التي تحيط به.