إيران ترتّب أوراقها للحرب القادمة.. وباكستان تعلن موقفها

 

في خطوة لافتة تحمل أبعادا استراتيجية، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني دعم بلاده الكامل لإيران، مؤكدا أن "أي اعتداء على طهران سنعدّه اعتداء على إسلام آباد"، ومشيدا بقدرة القوات الإيرانية على "الدفاع عن بلادها ببسالة"، وداعما لحقها في تطوير برنامج نووي سلمي.

جاء هذا الموقف بالتزامن مع زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى باكستان، وهي أول محطة خارجية له بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ضمن جهود إيرانية واضحة لإعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية والتحرك استباقيا نحو "ترتيب الميدان" قبل حرب تعتقد طهران أنها باتت مسألة وقت لا أكثر.

وبينما لا تملك باكستان القدرة على حلّ الخلاف الأميركي الإيراني، يرى مراقبون أن بإمكانها لعب دور الوسيط لإعادة فتح قنوات التفاوض، خاصة مع وجود امتيازات اقتصادية وسياسية قد تقدمها لطهران، في وقت تسعى فيه إيران لتعزيز روابطها مع جيرانها وتفكيك أية خطوط عداء.

موقف باكستان الحاسم

رفضت إسلام آباد العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، ووصفت الهجوم بـ"المرفوض والمدان". كما حذر قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير من تداعيات أي مسعى لتدمير برنامج إيران النووي، معتبرا أنه سيكون مقلقا للمنطقة بأكملها.

اللافت أن الولايات المتحدة نفسها بادرت خلال الحرب إلى استدعاء الجنرال منير إلى واشنطن لإجراء محادثات خاصة، في مؤشر على أهمية الدور الباكستاني في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

نقاط التوتر بين البلدين

رغم دفء التصريحات، لا تخلو العلاقات الإيرانية الباكستانية من تعقيدات؛ أبرزها التوتر المزمن في إقليم بلوشستان، حيث يتهم كل طرف الآخر بدعم انفصاليين مسلحين. وشهدت العلاقات قصفا متبادلا في مطلع 2024.

إضافة إلى ذلك، لا تزال العلاقات الباكستانية الأميركية الوثيقة تقابلها علاقات إيرانية مع الهند، التي اتُّهمت بدعم إسرائيل استخباريا في الحرب الأخيرة، ما يضع طهران أمام معادلة معقدة في ساحة إقليمية متشابكة.

البعد الأمني والتجاري

يرى محللون أن زيارة بزشكيان تمثل محاولة لسد الثغرات الأمنية مع الجيران، وخاصة عبر منظمة "شنغهاي"، حيث تروج إيران لمقترحات إنشاء منظومة أمنية جماعية لمواجهة العدوان والعقوبات الخارجية.

اقتصاديا، يسعى البلدان لرفع حجم التبادل التجاري من 2 إلى 10 مليارات دولار سنويا، لكن العقوبات الأميركية لا تزال تعرقل هذا الهدف. ومع تصاعد التحركات الإيرانية نحو وسط آسيا، تحاول طهران إعادة رسم خريطة تحالفاتها الاقتصادية والثقافية بعيدا عن الغرب.

مأزق إيران الإستراتيجي

بحسب الدكتور لقاء مكي من مركز الجزيرة للدراسات، فإن إيران تعيش مأزقا إستراتيجيا خطيرا بسبب تراجع قدرتها على فرض نفوذها عبر حلفائها الإقليميين، وتضاؤل هامش مناورتها الخارجية.

وأشار إلى أن طهران تحاول استباق عودة العقوبات الأممية عبر نسج تفاهمات جديدة مع الجيران، وتحويل "الحدود المشتعلة" إلى جسور تعاون. ويبدو أن إيران تراهن على "التهدئة الذكية" مع المحيط الإسلامي، بما في ذلك الدول الخليجية التي رفضت العدوان الإسرائيلي لكنها ما تزال قلقة من دور طهران في المنطقة.

ورغم محاولات التقارب، تبقى الخلافات الإيرانية – العربية، وكذلك الخلاف مع واشنطن، عميقة ومعقدة، وتتطلب تغييرات جذرية في السلوك السياسي الإيراني، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالميليشيات في العراق، سوريا، لبنان، واليمن.

وفي ظل هذا المشهد، تبدو زيارة بزشكيان لباكستان بمثابة رسالة سياسية بأن طهران لا تبحث فقط عن أصدقاء، بل عن شركاء استراتيجيين في معركة قد تكون قريبة.