العتوم يكتب: باكستان الممر الآمن لإيران.. شراكة استخباراتية وملاذ للطائرات والقيادات

 

د. نبيل العتوم

في خضم التصعيد المتجدد بين إيران وإسرائيل، تلوح باكستان في الأفق كطرف محتمل في معادلة معقدة تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة التقليدية، لتطال مفاصل توازنات القوة في الإقليم. فعلى الرغم من أن التصريحات الباكستانية الرسمية تتسم بالحذر الظاهري، إلا أن إشارات الدعم لطهران، سواء في الخطاب السياسي أو التحركات الدبلوماسية، باتت تثير قلقاً متزايداً في تل أبيب، خصوصاً في ظل الاحتمالات المتداولة حول تدخلات غير مباشرة قد تؤدي إلى إطالة أمد الصراع أو إعادة تشكيل ملامحه.

التقارب الإيراني – الباكستاني، الذي تعزز مؤخراً عبر زيارات رفيعة المستوى ومباحثات يُعتقد أنها تضمنت جوانب عسكرية واستخباراتية، يأتي في وقت تسعى فيه إسلام أباد إلى إرسال رسائل مزدوجة: الأولى تتعلق بالرد على الدعم الإسرائيلي للهند في نزاع كشمير، والثانية تسعى من خلالها إلى تعزيز موقعها في توازنات القوى الإقليمية، دون أن تنزلق إلى مواجهة مباشرة مع تل أبيب أو حلفائها الغربيين. فالتلويح بالدعم "غير المحدود" لإيران لا يعني ، استعداداً فعلياً للانخراط في مواجهة عسكرية، بل هو بالأحرى جزء من سياسة الردع النفسي والرمزي، خصوصاً مع تزايد الشعور في باكستان بأن أمنها القومي بات عرضة لضغوط متقاطعة.

في هذا السياق، تبرز احتمالية تقديم باكستان دعماً استخبارياً نوعياً لطهران كأحد أشكال الدعم غير المعلَن، سواء عبر تبادل معلومات تتعلق بتحركات القوات الإسرائيلية في المنطقة، أو عبر تتبع الطائرات المُسيّرة والاتصالات المرتبطة بأي عمليات استهداف مرتقبة. هذا النمط من التعاون قد لا يحتاج إلى إعلان رسمي، بل يجري في أروقة الأجهزة الأمنية، ويتوافق مع طبيعة العلاقات الأمنية البينية التي يُعتقد أنها تعززت خلال الأشهر الأخيرة،والذي يمكن لمس مؤشرات من خلال طبيعة الشخصيات الإيرانية التي تواصلت مع الباكستانيين ؛ اضافة الى استنتاجات متعلقة  بالخبرات التقنية التي طورتها باكستان في مجال الرصد والمراقبة، وتعاونها مع شركاء مثل الصين، وكيفية توظيف طهران للاستفادة منها .

كما أن باكستان قد تصبح ملاذًا موقتًا لبعض القيادات الإيرانية المدنية والعسكرية، خصوصاً في حال تصاعدت الضربات الإسرائيلية داخل العمق الإيراني. واحتمالية استقبال إسلام أباد لبعض العائلات والمسؤولين رفيعي المستوى في طهران، تحت غطاء الزيارات الدبلوماسية أو البعثات العلمية. ويستند هذا السيناريو إلى تجارب سابقة في الإقليم شهدت لجوء قيادات إلى أراضٍ صديقة خلال فترات التهديد المباشر، كما يُعتبر بمثابة تأمين لخط القيادة الإيرانية في حال حدوث عمليات استهداف إسرائيلية مكثفة.

ولا يُستبعد كذلك أن تكون باكستان مستعدة لفتح ممرات آمنة لتمركز مؤقت لبعض الطائرات الإيرانية المدنية والعسكرية خارج نطاق الضربات، في حال قررت إيران تفريغ قواعدها من بعض القدرات الجوية الأكثر حساسية، ضمن خطط لإعادة الانتشار أو التحصين الوقائي.

في الخلفية، تدور تساؤلات أكثر عمقاً حول الدور الذي قد تلعبه باكستان كقناة خلفية لدعم عسكري أوسع، عبر وساطات محتملة مع الصين، والتي تربطها بإسلام أباد علاقات استراتيجية تمتد إلى تعاون دفاعي وتقني. السيناريو الأخطر الذي تتخوف منه تل أبيب، كما عبر عنه قائد سلاح البحرية الإسرائيلي الأسبق، هو احتمال تدفق أنظمة صاروخية ودفاعية متطورة إلى إيران عبر باكستان، ما سيجعل المواجهة مختلفة نوعياً ويعقّد من قدرة الجيش الإسرائيلي على الحسم السريع.

ورغم ذلك، لا تبدو باكستان على استعداد لتجاوز حدود الدعم الدبلوماسي في المدى القريب، إذ أن الكلفة الاستراتيجية لمثل هذا الانخراط المباشر باهظة، خاصة في ظل تقاطع مصالحها مع الولايات المتحدة والخليج، فضلًا عن خشيتها من جر البلاد إلى حرب استنزاف غير مرغوبة. تصريحات وزير الدفاع الباكستاني مؤخراً أكدت على هذا التوجه، موضحة أن التدخل العسكري "سابق لأوانه"، وأن ما يجري حالياً لا يتعدى تأييداً سياسياً ومواقف إعلامية، وإن كانت محسوبة.

في المحصلة، يبدو أن باكستان تُبقي لنفسها هامش تحرك خفي ومرن، يسمح لها بلعب دور لوجستي واستخباري غير مُعلن دون أن تتحمل تبعات الانخراط المباشر. وإذا ما قررت طهران نقل معركتها إلى  الدعم وهو امر مستبعد تماما ، فقد تصبح إسلام أباد أحد أهم أوراقها الخلفية في إدارة الصراع .