مصر هي المسؤولة عن تجويع غزة!
محرر الشؤون السياسية
لا يمكن تبرير انزياح بعض القوى السياسية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 عن جادة الصراع المركزي، عبر تنظيم تظاهرات أو إطلاق خطابات عدائية تستهدف جمهورية مصر العربية، تحت شعارات تطالب بفك الحصار وفتح المعابر تجاه قطاع غزة.
هذا النوع من الخطاب الانفلاتي لا يُمكن فصله عن حالة العماء السياسي والانزلاق إلى استبدال العدو الحقيقي بخصم زائف، الأمر الذي يُشكل اختراقًا خطيرًا للوعي الجمعي الفلسطيني والعربي على حد سواء.
من مقتضيات الفطرة السياسية السليمة، أن تظل بوصلة المواجهة مصوّبة باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، بوصفه الفاعل المركزي في معادلة الحصار والتجويع، والجهة الوحيدة التي تمتلك أدوات القمع والعدوان المباشر على الأرض والإنسان في غزة، وعليه، فإن أي محاولة لتأطير الأزمة خارج هذا السياق، والانخراط في معارك جانبية ضد أطراف عربية، لا تعدو كونها مساهمة – مقصودة أو غير مقصودة – في تفكيك النسيج العربي، وتمزيق الجبهة الداخلية للأمة، بما يصب في نهاية المطاف في مصلحة المشروع الصهيوني.
ولئن كانت جمهورية مصر العربية، بوصفها ركيزة أساسية في معادلة الأمن القومي العربي، تواجه تحديات استراتيجية هائلة في محيط إقليمي مضطرب، فإن توجيه الاتهامات إليها بخصوص غزة، يتجاهل عمدًا أو جهلًا أن القاهرة تتحرك ضمن اعتبارات بالغة الحساسية تتصل بالأمن القومي المصري، والاستقرار الحدودي، والمصالح الإقليمية العليا.
ومن اللافت أن هذه الاحتجاجات، بدلًا من أن تتجه نحو مراكز القرار الصهيوني، الذي يحكم القبضة على غزة برًا وبحرًا وجوًا، ويصادر الحقوق ويعتقل الجثامين ويغتال المدنيين، باتت تُوجَّه إلى الدولة العربية الأقرب جغرافيًا، والأكثر انخراطًا في جهود التهدئة والدعم الإنساني، وهو ما يطرح تساؤلات كبرى حول من يقف خلف تأجيج هذا النوع من السلوك السياسي المضلّل، وهل هو نابع من أجندة وطنية حقيقية، أم أنه يُدار ضمن هندسة إعلامية هدفها تفجير تناقضات داخلية عربية، خدمة لأجندات خارجية معلومة.
إن ما دأبت عليه القوى الوطنية الأصيلة في الداخل الفلسطيني من تقديم خطاب مقاوم ومسؤول يُعلي من شأن وحدة الصف، ويدرك طبيعة العدو وهيكلية النظام الكولونيالي الصهيوني، يجب أن يبقى هو النموذج، لا أن يتم التماهي مع موجات مشبوهة تسعى إلى تحويل الخصومة من الكيان الغاصب إلى طرف عربي شقيق، فذلك يعد تشتيتًا مُمَنهجًا للجهد الشعبي، وتفريغ لغضب الجماهير من مضمونه التحرّري.
إن المطلوب، في هذه اللحظة المفصلية، هو استعادة مركزية القضية، وتوحيد الصفوف، وتوجيه كل أدوات الضغط والتحشيد نحو العدو الصهيوني، باعتباره المستفيد الأول من أي تصدع في الجبهة العربية، أو أي اختراق للوعي الجمعي المقاوم.