العتوم يكتب : من الإنزال إلى الإنكار: حين تطعن بعض قيادات حماس غزة في خاصرتها
د.نبيل العتوم
في وقتٍ تتزاحم فيه مشاهد المجازر والدمار في غزة، وتتكسر فيها كل أعراف الإنسانية، خرج خليل الحية، القيادي البارز في حركة حماس، ليُهاجم الإنزالات الجوية الأردنية، ويصفها بـ"المسرحية الهزلية" و"الدعاية"، متجاهلاً ما تعنيه تلك القوافل الجوية في سياق الحصار الخانق والتجويع المنهجي للغزيين. هذه ليست مجرد تصريحات، بل هي قنابل سياسية موقوتة تُفجر ما تبقى من الثقة بين غزة وعمقها العربي، خصوصاً في ظل شحّ البدائل وتآكل الخيارات.
حين يتهم الحية الأردن – البلد الذي يدفع من استقراره وموارده القليلة لإيصال ما يستطيع وضمن الظروف والتحديات إلى غزة – بالمسرحية، فهو لا يعبر عن موقف سياسي، بل يغرس خنجراً في خاصرة العلاقة التي بالكاد تصمد في وجه محاولات عزل غزة إقليمياً وعربياً. فمثل هذا الخطاب لا يحرج عمان فحسب، بل يضعف أي جهد إغاثي أو دبلوماسي يُبذل لأجل القطاع، ويبعث برسالة عكسية تماماً لما يفترض أن تقوله حماس: رسالة أن لا أحد مرحبٌ به إن لم يكن على "مقاس" بعض القيادات.
المشكلة ليست فقط في توقيت التصريح، بل في نَفَسِه. فالانتقال من نقد الأداء إلى التخوين، ومن الحذر السياسي إلى الشتم، يعكس تياراً داخل حماس بات مشغولاً بتصفية الحسابات أكثر من حماية المدنيين أو صون الكرامة الوطنية. تصريحات الحية، ومواقف موسى أبو مرزوق قبله، تصبّ في خانة هذا التيار الذي يفضل عزل غزة عن محيطها العربي، حتى لو كان الثمن المزيد من الدماء.
إن الحديث بهذه النبرة لا يخدم سوى الاحتلال، الذي يسعى منذ سنوات لعزل غزة عن بيئتها الإقليمية وتجريدها من كل عمق استراتيجي. فحين تُبَث الشكوك في النوايا العربية، ويتم التشكيك في كل مساعدة لا تمر عبر قنوات بعينها، فإن الرسالة الواضحة هي: "دعوا غزة وحدها تموت، ما لم تأتوا عبرنا".
الإنزال الجوي ليس حلاً كاملاً، ولا بديلاً عن فتح المعابر وإنهاء الحصار، لكنه فعل مقاومة إنسانية في وجه آلة التجويع. ومن يهاجمه علناً بهذه الطريقة، لا يسيء للأردن وحده، بل يتنكر لمعاناة الناس الذين ينتظرون أي شيء يسد رمق أطفالهم تحت النار.
إن أخطر ما في تصريحات الحية هو هذا التآكل الداخلي في خطاب حركة تدّعي تمثيلها للمقاومة. فالمقاومة الحقة تُوَحّد، لا تُفرّق، تشكر، لا تُهين، تبني الجسور، لا تحرقها. وحين تتحول بعض القيادات إلى معاول هدم لهذه الجسور، فإنها تفقد شرعية الكلام باسم المظلومين الذين يئنون تحت القصف.
إن غزة اليوم بحاجة لكل يد تمتد إليها، لا لكل لسان يُجلدها في عزّ نزفها.