المحاريق لـ"أخبار الأردن": خطوة الكنيست "إفصاح نوايا"
قال الكاتب الصحفي سامح المحاريق إنه بينما يتعامل الإعلام العربي والدولي مع تصويت الكنيست الإسرائيلي الأخير بشأن الضفة الغربية بوصفه تصعيدًا مفاجئًا، فإن الموقف الأردني – على عكس ذلك – يقرأ الخطوة بوصفها تطورًا متوقعًا ومترابطًا مع سياق سياسي طويل، سبق أن حذرت منه عمّان حتى قبل اندلاع أحداث غزة الأخيرة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الدبلوماسية الأردنية لم تخفِ قلقها من المسار الإسرائيلي المتصاعد نحو فرض السيادة القانونية على مناطق الضفة الغربية المحتلة، وتحديدًا ضمن رؤية نتنياهو الذي طالما ربط بقاءه السياسي بتحقيق خطوات جذرية على الأرض، تجعل من خيار الدولة الفلسطينية خيارًا مستحيلًا.
وبيّن المحاريق أن الخطوة التي تمّت داخل الكنيست لا تملك قيمة قانونية مُلزمة في السياق الدولي، نظرًا لتعارضها الصريح مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، إلا أنها تمثل ما يمكن تسميته بـ"إفصاح نوايا تشريعي" يندرج ضمن لعبة سياسية متكررة، تُمارسها إسرائيل لتثبيت واقع زاحف، عبر أدوات داخلية تستبطن بعدها الجيوسياسي.
وذكر أن ما يجري يشكل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الصراعات السياسية مع إسرائيل، التي نجحت أحيانًا – بفعل شبكاتها الدولية – في تمرير أجندات توسعية، فيما تمكّن الأردن، في مراحل أخرى، من إفشال محاولات خطيرة، سواء على المستوى القانوني أو في البُعد الإقليمي.
وأردف المحاريق أن الفارق اليوم يكمن في طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي توصف في عمّان بأنها "الأكثر تطرفًا وتغوّلًا" في تاريخ دولة الاحتلال، ما يرفع منسوب التوتر ويُحتم على الأردن الاستعداد لسيناريوهات أكثر سوءًا وتعقيدًا خلال المرحلة المقبلة.
وفيما تتداخل أبعاد القرار الأخير مع مسار صفقة القرن، أو مع طروحات أمريكية سابقة رُوّج لها في عهد ترامب، فإن القلق الأردني لا يرتكز فقط على البُعد القانوني أو الأمني، وإنما يمتد إلى احتمال دفع الأردن باتجاه تنازلات سياسية تحت ضغط الأمر الواقع، في محاولة إسرائيلية لإحراجه دوليًا أو إجباره على العودة إلى مائدة التفاوض بشروط مجحفة.
وأردف أن إسرائيل – على الأرجح – لا تسعى في هذه المرحلة إلى مواجهة مباشرة مع الأردن، وإنما إلى تحقيق مكاسب سياسية باردة عبر تفكيك التوازن الإقليمي، واستنزاف المواقف المناوئة، وإحداث اختراقات في الجبهة العربية الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية.
واستطرد المحاريق قائلًا إن هذه الخطوة، تأتي وفق هذا الفهم، منسجمة مع بنية المشروع الإسرائيلي الأشمل، الذي يعتمد على تحييد الجبهات الخطرة أولًا (جنوب لبنان، سوريا)، ومن ثم الانقضاض على الضفة الغربية كهدف سياسي قابل للتحقيق، تحت غطاء الانشغال الإقليمي والتراخي الدولي.
وأشار إلى أن غياب الصيغة النهائية لما قد تؤول إليه هذه الخطوة، إلا أن المؤشرات كلها تدفع باتجاه تسارع وتيرة المخطط الإسرائيلي، الأمر الذي يُحتّم على دوائر القرار الأردنية أن تُعيد ضبط استراتيجياتها، سواء عبر تفعيل أدواتها الدبلوماسية في المحافل الدولية، أو من خلال بناء موقف وطني موحد يُشكّل سدًا سياسيًا داخليًا يُصعّب من مهمة الإحراج أو الضغط.
ولفت المحاريق الانتباه إلى أن المعادلة، اليوم، لم تعد تدور حول سؤال "هل تفعل إسرائيل ذلك؟"، وإنما حول "كيف سيتعامل الأردن مع ما هو قادم؟"، وهو السؤال الأهم، والأكثر إلحاحًا، في مشهد إقليمي يتغيّر بسرعة أكبر من قدرة الكثيرين على التكيّف معه.