قرار مصيري على الأردن اتخاذه

 

قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن تصويت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، يُنذر بما هو أبعد من مجرد تصعيد أحادي؛ إذ يمثل، من حيث مآلاته ومراميه، إعلانًا غير مباشر لحالة صدام مع المملكة الأردنية الهاشمية، الدولة الوحيدة في الإقليم التي يُلامسها هذا القرار في عمق أمنها القومي، وتكوينها الديموغرافي، وبنيتها الجيوسياسية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يضفي على التصعيد خطورته البالغة ليس فقط توقيته السياسي الحرج، وإنما انسجامه الكامل مع تصريحات سابقة صادرة عن أقطاب اليمين الإسرائيلي، وتحديدًا الوزير المتشدد بتسلئيل سموتريتش، الذي لم يُخفِ سعيه إلى تحقيق "الضم الشامل" بحلول عام 2025.

وبيّن العياصرة  أن هذه الرؤية التي بُثّت أول الأمر على شكل خطابات أيديولوجية متطرفة، بدأت تجد طريقها إلى مسارات التشريع، عبر محاولة فرض القانون الإسرائيلي على أراضٍ محتلة بالقوة، خلافًا للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ونوّه إلى أن هذا التحول التشريعي يُشكّل تتويجًا رسميًا لاستراتيجية إسرائيلية متدرجة تقوم على تحويل واقع الاحتلال إلى سيادة مفروضة بالأمر الواقع، ضمن سردية سياسية وقانونية تسعى إلى إعادة تعريف الضفة الغربية كـ"جزء من دولة إسرائيل التاريخية"، لا كمجالٍ خاضع لقواعد الاحتلال العسكري، وبهذا، فإن تل أبيب لا تكتفي بإغلاق صفحة "حل الدولتين"، بل تمزّقها بالكامل، وتسعى لتثبيت واقع أحادي لا يقيم وزنًا لأي تفاهم دولي سابق، سواء في أوسلو أو خارطة الطريق أو حتى الرؤية الأمريكية التي عُرفت بـ"صفقة القرن".
وفيما قد يُنظر إلى الضم بوصفه مسألة فلسطينية بحتة، إلا أن أبعاده الأخطر تطال الأردن بشكل مباشر، بوصفه يرتبط بها، ويتشابك بها جغرافيًا، جنبًا إلى جنب مع تشظيات التاريخ السياسي، مشيرًا إلى أن المملكة، التي تحتفظ بوصاية دينية وقانونية على الأماكن المقدسة في القدس، تجد نفسها أمام تهديد متعدد المستويات، يتراوح بين تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها، وإحداث خلخلة ديموغرافية ممنهجة، تستهدف حملة الجنسية المزدوجة أو البطاقات الصفراء، وصولًا إلى تقويض التوازنات الداخلية الدقيقة في الساحة الأردنية ذاتها.
وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، يصبح من المُلحّ أن تعيد المملكة الأردنية النظر في طبيعة تعاطيها مع التهديد، عبر تصعيد متدرج ومدروس يبدأ بإدانة واضحة وقاطعة في المحافل الدولية، ويتجاوز ذلك نحو توثيق الأضرار المباشرة الواقعة على الأردن كطرف مُتضرر، تمهيدًا للذهاب إلى محكمة العدل الدولية، لطلب رأي استشاري يُدين هذا النوع من التشريعات التي تُعيد رسم الحدود بالقوة، وتُمهد لممارسات من شأنها أن تنسف مبادئ ميثاق الأمم المتحدة من أساسه، وفقًا لما صرّح به العياصرة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأردف أن المسار القانوني وحده لا يكفي، إذ لا بد أن يُرافقه إعادة تموضع داخلي حقيقي، يُعيد الاعتبار للجبهة الوطنية الأردنية بوصفها خط الدفاع الأول، وهذا يقتضي تمتين النسيج السياسي الوطني، عبر إعادة تفعيل القنوات مع القوى الحزبية والنقابية والمدنية، ضمن استراتيجية وطنية موحدة تُجمّع ولا تُفرق، وتستنهض الوعي الجمعي في مواجهة تهديد يتجاوز الحكومات الى الدولة، ويصون الكيان الوطني بمجمله.

وذكر أن الأردن مطالب، في هذه اللحظة المفصلية، بأن يتحرك إقليميًا أيضًا، لتشكيل جبهة عربية سياسية وقانونية تعترض على هذا المسار الإسرائيلي، وتحذر من تبعاته التي ستُفضي حتمًا إلى انهيار أي مسعى عقلاني لإرساء استقرار طويل الأمد في المنطقة.

فما يجري، في الجوهر، هو مشروع سياسي متكامل، يسعى إلى ترسيخ هيمنة إسرائيلية تمتد من نهر الأردن حتى البحر المتوسط، وتُقصي الفلسطينيين وتُقصي الأردن وتُقصي القانون الدولي من المشهد.

ولعل أسوأ ما في هذا السيناريو أنه ينطلق من خطوات عملية على الأرض، بدأت بتصويت الكنيست، ولن تنتهي عنده.