حين يسقط الحاجز الأخير.. خطر وشيك يهدد وجود الأردن
د.نبيل العتوم
في اللحظة التي يصوّت فيها الكنيست الإسرائيلي على بيان يدعو صراحة إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية المحتلة، تنقلب معادلات الجغرافيا والشرعية والحدود رأساً على عقب، وتجد المملكة الأردنية الهاشمية نفسها أمام أخطر اختبار استراتيجي منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في 1994. فبينما يصف الساسة الإسرائيليون هذه الخطوة بأنها "رمزية"، فإن رمزية الاحتلال لا تُقرأ إلا من فوهة بندقية الاستيطان، ومن بوابة كسر الإرادة الدولية التي أكدت – عبر محكمة العدل الدولية والجمعية العامة ومجلس الأمن – عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية.
تحرك الكنيست ليس معزولاً عن ديناميات خطيرة أعمق بكثير من مجرد سباق يميني داخلي؛ إنه إشارة إلى نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة عنوانها: نهاية حل الدولتين، وطي صفحة "المفاوضات"، وبداية الانفجار الصامت في بنية العلاقة الأردنية – الإسرائيلية، التي كانت تقوم من الأصل على فرضية بقاء الضفة الغربية منطقة تفاوضية لا نهائية، لا ضم فيها ولا سيادة. هذا التحول، إذا ما تُرجم إلى قرار حكومي فعلي، لن يكون مجرد خرق جديد، بل انقلاب شامل على جوهر اتفاقية وادي عربة، والتي قامت على مبدأ "احترام الطرفين لحدود 4 حزيران"، وعلى فكرة أن حل القضية الفلسطينية هو حجر الزاوية في سلام دائم.
الأردن لا يواجه اليوم تحدياً قانونياً فقط، بل زلزالاً جيوسياسياً يضرب أمنه القومي المباشر. فإذا كانت الضفة قد ضُمّت، أو يجري ضمّها فعلياً بشكل تدريجي، فما الذي يتبقى من دور الأردن في المسجد الأقصى؟ وما الذي يتبقى من "الوصاية الهاشمية" التي حاولت عمان الدفاع عنها في المحافل الدولية؟ الأخطر من ذلك أن الضم يعني إلغاء فكرة الحدود الفاصلة، وتثبيت واقع أمني جديد تتحكم فيه تل أبيب وحدها بجغرافيا تمتد من البحر إلى النهر، على مرأى ومسمع من الأردن، وبتداعيات سكانية وأمنية واقتصادية واجتماعية كارثية.
تل أبيب، التي رفضت في الكنيست قيام دولة فلسطينية، تختبر الآن حدود الصمت العربي وحدود الصبر الأردني، وتستغل الانشغال الإقليمي والدولي بساحات أُخرى – من غزة إلى لبنان وسوريا – لتصفية ما تبقى من الأرض والحق الفلسطيني، وتحويل الأردن إلى الجدار الأخير الذي يُراد له أن يصمت، أو ينهار. إن تمرير هذا التصويت، ولو "رمزياً"، يعني أن الخط الأحمر قد تم تجاوزه، وأن معاهدة السلام أصبحت بلا غطاء سياسي، وبلا مضمون حقيقي.
الرد الأردني على هذا التحول المصيري لا يمكن أن يكون دبلوماسياً فقط، بل يتطلب مراجعة شاملة لعقيدة العلاقة مع إسرائيل، وموازنة التحالفات، وتفعيل أدوات الردع القانوني والسياسي، وربما الأمني، داخل الساحات الدولية والعربية. فالاستقرار الأردني أصبح على المحك، ليس فقط لأن الجغرافيا تختنق من الغرب، بل لأن الاتفاقيات أصبحت مجرد أوراق لا تحمي لا القدس ولا الضفة، ولا حتى أمن الأردن نفسه. فماذا تبقى من "السلام" حين تُسحق الأرض، ويُهجر الشعب، ويُلغى مستقبل حل الدولتين ؟