العتوم يكتب: قنبلة على الطاولة.. إيران تقلب قواعد اللعبة النووية
د. نبيل العتوم
في منعطف حساس يعكس حجم التحولات العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط، تُلوّح طهران مجددًا بورقة طالما حاذرت استخدامها: القنبلة النووية، ولكن هذه المرة ليس كتهديد مجرد، بل كعنصر تفاوضي مع واشنطن. في ظل انسداد الأفق الدبلوماسي، وغياب أي اختراق ملموس في مسار المحادثات المتوقفة منذ شهور، يبدو أن إيران قررت رفع سقف اللعب الاستراتيجي إلى أقصى حد، متحدية بذلك الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أكثر من عقدين.
التحذيرات التي صدرت مؤخرًا من مسؤولين إيرانيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية عباس عراقجي، والتي تضمنت التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ليست مجرد مناورة بل تعكس تحوّلاً في العقيدة النووية الإيرانية. فإيران، التي كانت تصر دومًا على "الطابع السلمي" لبرنامجها، باتت تُلوّح ضمنيًا بأن خيار التسلح النووي لم يعد محرمًا. هذا التحول يتزامن مع ضغوط داخلية هائلة، وانقسامات بين دوائر القرار في طهران، خاصة بعد اغتيال رئيسها السابق إبراهيم رئيسي وقبله سليماني والضربات الموجعة التي تعرضت لها ايران، وانهيار المحور الإقليمي الذي بنت عليه الكثير من أوراقها.
في واشنطن، يبدو الجمود الدبلوماسي أكثر ارتباطًا بالحسابات العسكرية منها بالرغبة في الحوار. إدارة ترامب الثانية، التي تعيش حالة توتر مزمنة مع ايران، لا ترى فائدة في العودة إلى طاولة مفاوضات لا تقدم فيها طهران شيئًا سوى كسب الوقت وتعزيز قدراتها. وبالمقابل، فإن النظام الإيراني يرى أن الصمت الأميركي قد يكون نذير عاصفة، وأن استمرار الضربات الإسرائيلية العسكرية والاستخبارية الدقيقة في العمق الإيراني - والتي ازدادت وتيرتها خلال الأسابيع الماضية - ليست سوى تمهيد لمرحلة أشد.
هذا السياق يُلقي بظلاله على الاجتماع اللافت الذي جرى مؤخرًا بين وزيري الدفاع الأميركي والإسرائيلي. فاللغة التي استخدمها الطرفان كانت أوضح من أي وقت مضى: منع إيران من امتلاك سلاح نووي لم يعد هدفًا طويل الأمد بل أولوية آنيّة، واستخدام القوة العسكرية مجددا مطروح كخيار قابل للتنفيذ. في الكواليس، تتحدث تقارير عن سيناريوهات متقدمة يتم التداول بها داخل البنتاغون، تتراوح بين الضربات مجددا للمفاعلات النووية والبرنامج الصاروخي ، والهجمات السيبرانية المكثفة، وصولًا إلى عمليات شاملة تهدف إلى شلّ ما تبقى من القدرات الإيرانية على الرد.
لكن المفارقة الأخطر أن طهران قد تعتقد أن وضع القنبلة على الطاولة هو السبيل الوحيد لتفادي الحرب. أي أنها تراهن على مفعول الردع الكامن في التهديد بالتصنيع، دون الوصول فعليًا إلى مرحلة التخصيب العسكري الكامل. غير أن هذا التقدير محفوف بالمخاطر، لأنه قد يُقرأ في واشنطن وتل أبيب باعتباره إعلان نوايا لا يمكن التساهل معه.
في هذا المشهد المضطرب، يُطرح سؤال مركزي: هل نحن أمام مرحلة تفاوض جديدة تُبنى على شفا الهاوية النووية، أم أن الجمود الحالي هو مجرد الهدوء الذي يسبق العاصفة العسكرية؟ الإجابة ربما لا تعرفها حتى طهران نفسها، لكنها — على ما يبدو — قررت أن تلعب بالنار، مهما كانت العواقب.