الدعجة يكتب: حين يصبح الإدمان الرقمي حَيَاة

 

غيث الدعجة
الإدمان الرقمي خطر لا يدركه الكثيرون، فهو يفصل الإنسان عن واقعه بشكل كبير، ويجعل الوقت يمر دون أن يشعر به. ما يبدأ كهواية أو وسيلة ترفيه، قد يتحول تدريجيًا إلى قيدٍ خفي يسرق التركيز والوقت والجهد.
الشخص المدمن قد لا يلاحظ حجم التغير الذي يمر به، فمع الوقت يفقد رغبته في الخروج، أو التفاعل مع الآخرين، ويجد نفسه أكثر راحة خلف الشاشة. بعض الناس يشعرون بالفراغ في اللحظة التي يغيب فيها الإنترنت، وكأن حياتهم الحقيقية معلقة بتطبيق أو إشعار.
الإدمان الرقمي – بأبسط وصف – تجربة قاسية، لأنها تسلب من الإنسان أكثر ما يملك: وعيه بالحياة.

يبدأ الإدمان الرقمي بشكل تدريجي، حيث يقضي الشخص بضع دقائق محدودة على الإنترنت، ثم تتوسع هذه المدة مع مرور الوقت لتتحول إلى ساعات طويلة من الاستخدام المستمر. ومن أبرز أشكال هذا الإدمان، الإدمان على الألعاب الرقمية، حيث تستهلك هذه الألعاب وقت المستخدم وجهده بشكل كبير، حتى تتحول إلى إدمان فعلي، بل إلى أسلوب حياة لا يمكن الاستغناء عنه.
وتكمن الخطورة الأكبر في أن هذا النوع من الإدمان لا يفرق بين فئة عمرية وأخرى، فالجميع معرض له. ويزداد التأثير كلما زاد الاعتماد على الأجهزة الذكية والتطبيقات في تفاصيل الحياة اليومية.

المدمن الرقمي يعيش في عالم رقمي موازٍ يفصله عن الحياة الحقيقية، فهو حاضر جسديًا، لكنه غائب ذهنيًا. المحادثات تصبح ثقيلة، والتواصل البشري يفقد بريقه، لأن كل الانتباه والتفاعل بات محصورًا في الشاشة. ومع الوقت، تصبح العلاقات الحقيقية سطحية، ويبدأ الشخص بفقدان شعوره بالانتماء، ويهرب من مشاكله أو ضغوطه نحو محتوى ترفيهي لا يقدّم له حلًا، بل مجرد هروب مؤقت.
الواقع يصبح مكانًا باهتًا مقارنة بالعالم الرقمي الذي يقدّم كل شيء بضغطة زر، وهذا الانفصال عن الحياة الواقعية هو أحد أخطر جوانب الإدمان الرقمي.

في النهاية، يجب أن نفهم أن الإدمان الرقمي ليس مجرد عادة سيئة، بل هو خطر حقيقي يتسلل إلى حياتنا دون أن نشعر. يمنحنا شعورًا مؤقتًا بالمتعة، لكنه يسلب منّا التركيز، والطاقة، وحتى إحساسنا بالزمن. كثيرون يعتقدون أنهم يسيطرون على وقتهم، بينما في الحقيقة هم غارقون في عالم لا يمتّ للواقع بصلة.
الحياة لا تُعاش عبر شاشة، ولا تُقاس بعدد الإعجابات أو ساعات اللعب. نحن بحاجة لإعادة التوازن بين استخدام التقنية والعيش الحقيقي. فالتقدم الرقمي نعمة حين نستخدمه بوعي، لكنه يتحول إلى نقمة حين نتركه يستهلكنا من الداخل. علينا أن نختار: إما أن نعيش واقعنا بكامل حضورنا، أو نضيع في عالم افتراضي لا يعرف من نَحْنُ.