البراري يكتب: زاوية أخرى للنظر في أحداث السويداء
حسن البراري
في عام 1976، نشر البروفيسور الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي، أحد المقربين من تيار المحافظين الجدد، مقالًا بمجلة فورين أفيرز الشهيرة تناول فيه هزيمة العرب عام 1967. وقد أطلق على تلك الهزيمة اسم "واترلو القومية العربية"، في إشارة رمزية إلى الهزيمة الساحقة والنهائية التي مُني بها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت في معركة واترلو ببلجيكا عام 1815 أمام التحالف الضارب الذي قادته القوات البريطانية وعلى رأسها كان الدوق ويلنغتون.
لقد تنبه الإسرائيليون إلى هذا التحول الذي أشار إليه عجمي، واستغلوه لتعزيز استراتيجيتهم المعروفة بـالتحالف مع الأطراف (إثيوبيا وتركيا وإيران) والعمل مع الأقليات في المشرق العربي. وفي عام 1982، وضع عوديد ينون خطته الشهيرة التي نُشرت في مجلة كيفونيم الإسرائيلية (الاتجاهات). استند ينون إلى قناعة بأن هناك فرصة لإسرائيل لتطبيق ما يُعرف بـ"استراتيجية الأطراف" أو "نظرية الفسيفساء" القائمة على تفتيت الدول العربية إلى مكونات طائفية وعرقية متناحرة.
صحيح أن هذه الاستراتيجية تراجعت مؤقتا بعد التغير الجذري في إيران وسقوط نظام الشاه، ثم هزيمة الموارنة في لبنان، وأخيرًا صعود أردوغان في تركيا، إلا أن إسرائيل (وكما أثبت التاريخ) لا تكلّ ولا تملّ. هنا وجدت إسرائيل في تداعيات الربيع العربي، وآخرها تصدّع النظام السوري، فرصة لإحياء تلك الرؤية القديمة، والعمل على خطط (أفكار، للدقة) تهدف إلى إضعاف الدولة السورية، وجعلها منقسمة داخليًا، منهكة بالصراعات الطائفية والإثنية، وبعيدة عن خيار المواجهة، بل قابلة للتطبيع أو التفاهم الضمني.
هذا التوجه ليس جديدًا، بل هو امتداد لاستراتيجية إسرائيلية راسخة، تقوم على تفكيك المجتمعات العربية من الداخل عبر اللعب على تناقضات الهويات الفرعية لخلق شرق أوسط مفكك، تفتقر دوله إلى القوة والتماسك، وتبقى إسرائيل محاطة بكيانات عاجزة عن تشكيل تهديد حقيقي على المدى البعيد.
والشيء بالشيء يذكر، ما فعلته إسرائيل عبر "استراتيجية الأطراف" ليس منفصلًا عن ما طرحه المفكر والمؤرخ الأميركي من أصل بريطاني برنارد لويس في ثمانينيات القرن الماضي. فالأخير قدم مشروعا دعا فيه إلى استثمار التناقضات الإثنية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي (سنّة/شيعة، عرب/أكراد/فرس/تركمان... إلخ)، ورأى أن الشرق الأوسط لا يمكن ضبطه ككيان موحّد، بل من الأفضل (من منظور الغرب) تفكيكه إلى كيانات أصغر يسهل التعامل معها والتحكم فيها. إنها رؤية تلتقي في جوهرها مع الرؤية الإسرائيلية، وإن اختلفت في السياق والمبررات.
بقي أن أقول إن برنارد لويس وفؤاد عجمي كانا صديقين، وقريبين من إدارة بوش الابن، وكانا ضيفين دائمين يحتفى بهما على منتديات الإيباك.