العتوم لـ"أخبار الأردن": ساعات حاسمة للنظام الإيراني

 

قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم، إن الساعات الأخيرة شهدت سلسلة انفجارات متزامنة وعنيفة طالت مراكز أمنية وعسكرية في مدن إيرانية رئيسية، شملت العاصمة طهران، والرمز الديني قم، والحاضرة الكبرى مشهد، ومدينة تبريز ذات الثقل الاستراتيجي.

وأوضح العتوم في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الانفجارات، التي ترافقت مع اغتيالات غامضة واستهداف مراكز يُعتقد أنها على تماس مباشر مع دوائر صناعة القرار الأمني والاستخباري، أطلقت موجة من الذعر والتساؤلات وأربكت مشهدًا داخليًا مأزومًا أصلًا.

وبيّن العتوم أن ما يضاعف من وطأة هذه الأحداث أنّها جاءت في سياق توتر إقليمي محتدم، ووسط تسريبات منسوبة لمصادر مطّلعة تفيد بأن المرشد الأعلى علي خامنئي وعددًا من أركان النظام قد انتقلوا بالفعل، أو يستعدّون للانتقال، إلى مناطق أشدّ تحصينًا بين مدينتي قم ومشهد، حيث المراقد الشيعية التي طالما مثّلت عبر التاريخ ملاذًا لحماية القيادة من مخاطر الانهيار المفاجئ في المركز السياسي التقليدي، أي العاصمة طهران.

ونوّه إلى أن هذا التحوّل، الذي يبدو في ظاهره إجراءً وقائيًا تكتيكيًا، يحمل في جوهره دلالات استراتيجية غير مسبوقة، فهو يُشير إلى تقدير عالٍ لمستوى التهديد، وإلى خشية حقيقية من استهداف مباشر للقيادات العليا عبر هجمات أو اغتيالات دقيقة، سواء نفذتها أطراف خارجية في مقدمتها إسرائيل، أو جرى تمريرها عبر اختراقات أمنية داخلية باتت محتملة في ضوء الشروخ العميقة بين الحرس الثوري والمؤسسة العسكرية التقليدية.

واستطرد العتوم أن خطورة المشهد تجلت في التوقيت والسياق أيضًا؛ إذ تزامنت هذه الانفجارات مع ذروة الضغوط الاقتصادية وانهيارات متسارعة في سعر العملة المحلية، وتفاقم السخط الشعبي في الشارع، فضلًا عن عودة التوتر المحتدم مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى واجهة الحدث، بما يشير إلى تقاطع مسارات الأزمة الداخلية مع ديناميات الصراع الإقليمي الأوسع.

وأردف أنّ انتقال القيادة إلى المراقد لا يمكن قراءته بمعزل عن طبيعة النظام الإيراني نفسه؛ ذلك النظام الذي تأسس منذ ثورة 1979 على مزج معقّد بين البُعد الديني والسلطة السياسية، حيث تحوّلت الرموز الدينية الكبرى إلى ركيزة للشرعية وأداة لإعادة تجميع الصفوف في لحظات الخطر الوجودي، غير أنّ سرعة الانتقال، وطابعه شبه السرّي، يكشفان خللاً هيكليًا في قدرة النظام على ضبط العاصمة كرمز للسيطرة المركزية، ويشي بوجود تهديد وجودي يتجاوز مجرّد أحداث أمنية متفرقة.

على خلفية ذلك، تبرز تساؤلات عدة حو لما إذا كان يمهّد هذا المشهد لتصفية إسرائيلية مركّزة لمراكز الثقل النووي والأمني الإيراني ضمن استراتيجية "الحرب بين الحروب" التي تتبنّاها تل أبيب، وهل يمكن أن نشهد ولأول مرة منذ عقود تفككًا مركزيًا للسيطرة من طهران نحو مراكز دينية في الهامش أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون مناورة محسوبة الغاية منها امتصاص الصدمة وحماية الرموز القيادية قبل عودة زمام المبادرة إلى يد النظام؟، وفقًا لما قاله العتوم.

وأشار إلى أنّ قم ومشهد كانتا تاريخيًا موئلًا لاستعادة التوازن خلال الأزمات، إلا أنّ الفارق الجوهري اليوم يكمن في طبيعة التهديد الذي لم يعد فقط خارجيًا؛ فقد بات يضرب عصب الدولة الأمني والاستخباري من الداخل، في وقت تعاني فيه الدولة الإيرانية من أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة تهدد بإعادة رسم الخريطة السياسية والاجتماعية برمّتها.