توسع غير مسبوق في التقاعد المبكر بالأردن (أرقام)

 

تشير البيانات الرسمية إلى أن 63% من المتقاعدين في الأردن تقاعدوا مبكرًا، أي ما يعادل نحو 160 ألف متقاعد ومتقاعدة من أصل 259 ألفًا، في ظاهرة آخذة بالاتساع تجاوزت أهدافها الأصلية، وأثارت مخاوف بشأن أثرها على الأمن الوظيفي وديمومة صندوق الضمان الاجتماعي.

ورغم أن نظام التقاعد المبكر وُضع أساسًا لحماية العاملين في المهن الخطرة، إلا أن تطبيقه في الأردن شمل شرائح واسعة في القطاعين الصحي والتعليمي، وتحول – وفق "المرصد العمالي الأردني" – إلى أداة للإحالة القسرية في كثير من الحالات، بعيدًا عن رغبة الموظف أو استحقاقه القانوني.

ورصد المرصد شكاوى لموظفين أُحيلوا إلى التقاعد دون إشعار مسبق، رغم اقترابهم من سن التقاعد القانوني، وتمتعهم بسجلات مهنية متميزة. وقالوا إن القرار فاجأهم وأربك خططهم الأسرية والمالية، حيث خسروا جزءًا كبيرًا من رواتبهم التقاعدية، في ظل التشريعات التي تمنعهم من العمل لمدة عامين بعد التقاعد.

شهادات صادمة من الميدان

تقول المعلمة السابقة "فاطمة" إنها أُحيلت للتقاعد قبل بلوغ سن الستين بعام واحد، رغم خدمتها التي امتدت لأكثر من 30 عامًا وحصولها على كتب شكر وتميّز. أما الممرض "سامر" فقد تم إنهاء خدماته فجأة بعد 28 عامًا في الخدمة، وأُبلغ أن القرار يأتي في إطار "الإحلال والتدوير"، ما أفقده 35% من راتبه التقاعدي.

بدوره، يقول "يوسف"، وهو موظف حكومي سابق، إنه فوجئ بالتقاعد المبكر قبل ثلاث سنوات من بلوغ السن القانوني، ما حرمه من استكمال تعليم أبنائه، مؤكدًا أنه غير قادر على العودة لسوق العمل لأن أي وظيفة جديدة ستُخصم من راتبه التقاعدي.

الضمان يحذر من الأثر المالي وتآكل الفائض التأميني

وفي تعليق رسمي، قال الناطق الإعلامي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي، محمود المعايطة، إن المادة 64 من قانون الضمان الاجتماعي بحاجة إلى تعديل، في ظل ارتفاع أعداد المتقاعدين مبكرًا. وأكد أن استمرار التوسع في هذا النوع من التقاعد يهدد ديمومة الصندوق ويقلّص الفوائض المالية والاستثمارية خلال السنوات المقبلة.

من جهته، حذّر خبير التأمينات موسى الصبيحي من أن التقاعد القسري يسهم في زيادة معدلات الفقر والبطالة، إذ يدخل المتقاعدون سوق العمل مجددًا ويزاحمون الباحثين عن فرص، خصوصًا في القطاعات غير المنظمة، ودعا إلى تعديل المادة 173 من نظام الخدمة المدنية التي تسمح بالإحالة للتقاعد دون موافقة الموظف.

ثقافة مجتمعية مقلقة تجاه التقاعد المبكر

وأظهر استطلاع رأي سابق أجرته مؤسسة الضمان أن 87% من المشاركين يؤيدون التقاعد المبكر دون قيد أو شرط، وهو ما اعتبرته المؤسسة مؤشراً خطيراً يعكس ثقافة مجتمعية مغلوطة تتعامل مع التقاعد المبكر كـ "فرصة" لا كخيار اضطراري.

وأكدت المؤسسة أن هذا النمط من التقاعد يحرم سوق العمل من خبرات تراكمية، ويؤثر سلبًا على دخل الأفراد واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، مشددة على ضرورة مراجعة التشريعات وتوعية المواطنين بأثر هذا النوع من التقاعد على الأمن المالي طويل الأمد.