الدرادكة يكتب: المجاملة في جائزة نوبل للسلام

م. عبدالفتاح الدرادكة
 

في واحدة من أكثر مفارقات التاريخ السياسي سفاهةً واستهتارًا بالقيم، قدم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نسخة من رسالة توصية يرشّح فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام كنوع من المجاملة في اجتماعهم الاخير . والسؤال المطروح هنا هل وصل العبث بجائزة نبيلة أهدافها إنسانية ان تكون مادة للمجاملة واذا لم تكن مجاملة وتم اعتمادها من القائمين على الجائزة فأي تناقض هذا؟ بل أي عنجهية سياسية وأخلاقية تتيح لقاتل ومجرم حرب أن يزكّي شريكه في الجريمة لنيل جائزة يُفترض أن تُمنح لصانعي السلام!

ما الذي قدمه ترامب للسلام؟ هل هو غاندي هذا العصر؟ أم مارتن لوثر كينغ زمانه؟ هل نادى بالمصالحة، أو قضى عمره يدعو للتسامح؟ على العكس تمامًا، فترامب كان وما يزال رمزًا للتهور السياسي، وصاحب سياسات زادت من الدماء والدمار، وخصوصًا في منطقتنا العربية. قراراته، وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وشرعنة الاستيطان، وطرح “صفقة القرن”، لم تجلب سوى المزيد من التوتر والعنف، وأجهضت ما تبقى من أمل في حل عادل للقضية الفلسطينية.

أما نتنياهو، الملاحق بجرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، فهو اليوم يزكّي حليفه، من غطى على جرائمه في غزة والضفة الغربية، وبارك صفقات الإبادة والتجويع والتهجير. لم تعد هناك حاجة إلى الأقنعة، فالعنصرية الصهيونية باتت معلنة، والسياسة الأمريكية في عهد ترامب كانت حليفًا متبجحًا لتلك الوحشية.

ولو عاد الفرد نوبل إلى الحياة، لأوقف جائزته استنادًا إلى ما وصلت إليه من عبثية، وتناقض، وتفريط في الأهداف النبيلة التي أُنشئت من أجلها. فكيف لجائزة تُمنح لمنع إراقة الدماء أن تذهب لمن تلطّخت أيديهم بها؟!

إن ما يزيد من مرارة المشهد، أن الأنظمة العربية، رغم أنها قدّمت تنازلات، وقبلت باتفاقيات سلام وتطبيع ابتداء بكامب ديفيد عام 1978 ومنح بيجن رئيس وزراء الكيان والسادات جائزة نوبل ووصولا لاتفاقيات اوسلو ومنح عرفات ورابين وبيريز جائزة نوبل ايضا في عام 1994 ، فإن الكيان لم يُقدّم شيئًا بالمقابل. لم يوقف الاستيطان، ولم يعترف بحقوق الفلسطينيين، بل استغل تلك الاتفاقيات برعاية أمريكية لتكريس هيمنته وشرعنته الدولية. وكان من المفترض أن تضغط الولايات المتحدة – إن كانت فعلاً راعية للسلام – على “إسرائيل” لتقديم تنازلات، لكن ما جرى كان العكس: من دعم غير مشروط، إلى قرارات متطرفة زادت من القمع وطمست الحقوق فهل تستحق الادارة الامريكية وامام المعطيات اعلاه ان يكون هناك ولو تفكيرا بمنح رئيسها جائزة نوبل للسلام؟

جائزة نوبل، التي مُنحت لرموز حقيقية للسلام، كمانديلا الذي أنهى نظام الفصل العنصري، ومارتن لوثر كينغ الذي ناضل سلميًا من أجل الحقوق المدنية، ولي دوك ثو الذي فاوض لإنهاء حرب فيتنام، تتحوّل اليوم إلى مهزلة حين تصبح في متناول صُنّاع الموت. إنها ليست مجرد توصية، بل صفعة لكل من آمن بقيم السلام والعدالة.

لقد أصبح قرار الحرب والسلام بيد حفنة من الأوغاد، ممن يتاجرون بالقيم الإنسانية، ويبيعون العالم شعارات زائفة. نحن نعيش عصر شريعة الغاب، حيث الأقوى هو من يملك السلاح والدعم، لا من يملك الحق والعدل.

فمتى نُهيّئ لأنفسنا أدوات الردع والصمود؟ متى نكسر دائرة الخنوع، ونستعيد زمام المبادرة؟ إن القضية لم تعد تتعلق بجائزة تُمنح هنا أو هناك، بل بهيبتنا، وكرامتنا، ومكانتنا بين الأمم.