دعوة لتحرك استباقي أردني لإفشال "مشروع بلاد الشام"
في تطور لافت يشي بتغييرات جيوسياسية محتملة في المشرق العربي، أطلق المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، تصريحات مثيرة للجدل حذّر فيها من احتمال "عودة لبنان ليكون جزءًا من بلاد الشام"، ما أثار سلسلة من التساؤلات حول مستقبل الكيانات السياسية في المنطقة، ومن بينها الأردن.
ورغم محاولات التوضيح التي صدرت لاحقًا لتخفيف وطأة التصريح، إلا أن مراقبين اعتبروا كلام براك إشارة ضمنية إلى مرحلة جديدة من إعادة النظر بحدود الدول ووظائفها، في ضوء الانهيارات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها دول مثل لبنان وسوريا والعراق.
دلالات تتجاوز لبنان
ويرى مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية، الدكتور نبيل العتوم، أن تصريح براك لم يكن عابرًا، بل ينطوي على أبعاد استراتيجية، تعكس تراجع ثقة الغرب بالمنظومة السياسية اللبنانية، وتحمل رسالة تحذيرية للبنانيين بأن استمرار الجمود قد يُعيد طرح سيناريوهات الإقليم المشترك، أو ما يُعرف بمشروع "بلاد الشام" كوحدة سياسية – اقتصادية.
وأضاف العتوم أن هذا التوجه ينسجم مع ديناميكيات إقليمية جديدة، تترافق مع انكفاء المشروع الإيراني التقليدي من سوريا بفعل المواجهة المباشرة مع إسرائيل، ومساعٍ غربية – عربية لإعادة دمج دمشق في النظام الإقليمي ضمن أطر تسوية شاملة قد تشمل أيضًا لبنان والعراق.
احتمالات التكامل.. ومخاطر التفكك
وفي هذا السياق، يعيد تصريح براك إلى الواجهة النقاش القديم حول فشل اتفاقية سايكس – بيكو، والتفكير بصيغ جديدة لإدارة المنطقة في ظل تآكل الدول الوطنية، وظهور نماذج "وظيفية" لتكامل إداري – اقتصادي تتجاوز السيادة التقليدية.
ويلفت العتوم إلى أن هذا الطرح لا ينطلق من رغبة في التوحيد، بل من تعقيدات الواقع، حيث باتت الكيانات الحالية عاجزة عن الاستمرار في ظل الانهيارات المتراكمة، ما يفتح المجال أمام نماذج بديلة تقوم على الدمج الإقليمي أو التبعية المقننة.
ومن زاوية أردنية، يحذر العتوم من أن أي مشروع لإعادة تشكيل "الهلال الشامي" قد يُفضي إلى ارتدادات خطيرة على الأمن والسيادة الوطنية الأردنية، لا سيما في ظل التصاعد المستمر لخطاب "الوطن البديل" الإسرائيلي ومحاولات تذويب القضية الفلسطينية عبر حلول إقليمية تفرض أمرًا واقعًا.
كما نبّه إلى أن أي تكامل سياسي أو اقتصادي جديد في المشرق قد يُستخدم لاحقًا للضغط على الأردن، سواء بإدماجه قسريًا في ترتيبات ما بعد الحرب السورية، أو بإقحامه في مشاريع تسوية تتعارض مع مصالحه وهويته الوطنية.
دعوة لتحرك استباقي أردني
ودعا العتوم صانعي القرار في عمّان إلى إعادة صياغة العقيدة الأمنية الأردنية، والانتقال من موقع "المراقب" إلى دور الفاعل في صياغة التوازنات الجديدة، من خلال بناء تحالفات سياسية واقتصادية مع دول عربية متضررة من محاولات التمدد الجيوسياسي، خاصة مصر وبعض دول الخليج.
كما شدد على أهمية أن يبقى الأردن جزءًا فاعلًا في ملف الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ورفض أي مساعٍ لعزله عن هذا المسار، مشيرًا إلى ضرورة فتح حوارات استراتيجية مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، لحماية موقع الأردن ودوره الإقليمي.
خلاصة المشهد
وبحسب العتوم، فإن تصريحات براك ليست مجرد تحذير للبنان، بل إنذار مبكر للمنطقة برمّتها، والأردن على وجه الخصوص، بأن مرحلة "إعادة تشكيل المشرق" قد بدأت فعليًا، في ظل فشل النماذج السياسية التقليدية، وتصاعد الضغط لإيجاد بدائل جديدة. وعليه، فإن مستقبل المنطقة مرهون بقدرة دولها على التحرك الاستباقي، وفرض إرادتها في أي ترتيبات إقليمية مقبلة.