سوريا والانتحار السياسي.. الرنتاوي يوضح لـ"أخبار الأردن" خطورة ما هو مقبل

 

قال مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، إن دمشق لم تكن بحاجة إلى من يدفعها نحو القطيعة مع إيران أو التحريض ضد حزب الله؛ فالقيادة السورية، المنحدرة من خلفية فكرية وسياسية تقليدية على عداء تاريخي مع هذا المحور، قد بنت مشروعًا متكاملًا في مواجهته.

وأوضح الرنتاوي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا العداء نتاج تراكمات أيديولوجية وسياسية توارثتها الأجيال في المؤسسات الحاكمة، وظهر بوضوح في التصريحات الرسمية، خصوصًا عندما استخدم نائب الرئيس فاروق الشرع مصطلح "العدو المشترك" أو "التهديد المشترك" في معرض حديثه عن التحديات الإقليمية، وفي سياق الفهم السياسي، فإن المقصود بهذا المصطلح لم يكن إسرائيل، وإنما إيران وحزب الله وكل من يدور في فلكهما.

وبيّن الرنتاوي أن أحد أبرز المؤشرات في السياسة السورية الراهنة هو الانتقال الواضح إلى التموضع خارج هذا المحور، وهو ما يعزز من فرضية أن دمشق لن تعود إلى التنسيق الاستراتيجي مع طهران في المدى المنظور، والأرجح أن تكون سوريا شريكًا في توسيع نطاق الحصار المفروض على حزب الله في الداخل اللبناني، بدلًا من تقديم أي دعم لإنقاذه أو فك عزلته.

إن القراءة الأمريكية الجديدة لوضع سوريا تتقاطع مع ما يبدو أنه إعادة تصميم لدور دمشق في المشهد الإقليمي، فالولايات المتحدة – وفق هذه المقاربة – لا تنظر إلى سوريا كدولة منهكة ما بعد الحرب فحسب، وإنما كركيزة مركزية يمكن أن تضطلع بدور جوهري في بناء "محور سني" يمتد من شمال ووسط العراق، مرورًا بطرابلس وعكار في شمال لبنان، وصولًا إلى بيروت وصيدا، وربما أبعد من ذلك، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، مستطردًا أن هذا المحور – في حال تفعيله – قد يُكلّف سوريا بلعب دور الضامن في المشهد اللبناني، وهي فكرة تعود بقوة إلى التداول، بعد أن كانت قد طُويت لعقد ونصف من الزمن.

ونوه الرنتاوي إلى أنه لا يمكن إغفال التباين القائم بين الولايات المتحدة وإسرائيل في التعامل مع سوريا، ففي حين تركّز تل أبيب على التهديدات الأمنية المباشرة وتبالغ في تقديرها، تنظر واشنطن إلى الصورة الأشمل، المرتبطة بالصراع مع إيران، وبالرهانات الاستراتيجية في مواجهة كل من روسيا والصين، ولهذا، فإن تساهل واشنطن – على سبيل المثال – مع بقاء بعض المقاتلين الأجانب، ولا سيما الإيغور، على الأراضي السورية، قد يُفهم في سياق الرغبة بإبقاء أوراق ضغط قابلة للاستخدام في مواجهة الصين لاحقًا.

وأردف أن سوريا تتحرك ضمن عملية تحوّل منهجية ومدروسة، تبتعد فيها تدريجيًا عن محورها السابق، متبنية ديناميات سياسية وأمنية جديدة، وعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن اتفاق "74 بلس" لا يعني بالضرورة انتشارًا عسكريًا إسرائيليًا في العمق السوري، ذلك أنه قد يشير إلى تقييد الوجود الأمني السوري في الجنوب، أو إعادة تفعيل قوى دولية مثل "الأندوف" لمراقبة الحدود.

وأشار الرنتاوي  إلى  أن المسار الجديد يحمل في طياته أبعادًا سياسية وقانونية وإنسانية خطيرة، كما تَجلّى مؤخرًا في قرار الحكومة السورية تغيير الصفة القانونية للاجئ الفلسطيني، من "لاجئ فلسطيني بوثيقة" إلى "أجنبي مقيم"، وهو قرار يحمل تداعيات عميقة على حقوق مئات الآلاف من الفلسطينيين في سوريا، بما في ذلك وثائقهم الرسمية، وسُبل تنقّلهم، وفرص عملهم، ومكانتهم القانونية والاجتماعية.

وقال إن على سوريا أن تتجنب الوقوع في خيارين كارثيين، هما: الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، قد تُستَخدم فيها دمشق ذاتها كمسرح لعمليات عسكرية واسعة، أو الذهاب إلى تطبيع سريع وغير مدروس مع إسرائيل، وهو ما يزال – وفق التصريحات الرسمية – أمرا "سابقا لأوانه".

وأكد الرنتاوي ضرورة إدارة دمشق لهذه المرحلة المعقدة دون الانتحار السياسي أو الانبطاح الاستراتيجي، مضيفًا أن ذلك يتوقف على قدرة سوريا على موازنة المصالح، وقراءة المتغيرات الدولية، وتحديد مسافة آمنة بين "إعادة التموضع" و"فقدان الهوية الاستراتيجية".