الحياة البرية في الأردن على شفا الانقراض

 

تشهد أعداد الثدييات البرية في الأردن تراجعا غير مسبوق، وسط تحذيرات من أن نحو 40% من الأنواع المتبقية مهددة بالانقراض، فيما انقرضت بالفعل ستة أنواع رئيسية كانت تجوب البلاد منذ عقود، بينها الفهد والنمر العربي والدب السوري.

وكشفت دراسة حديثة أجراها خبير التنوع البيولوجي إيهاب عيد، أن المشكلة لا تكمن فقط في الصيد الجائر أو التدهور البيئي، بل تعود جذورها إلى أكثر من قرن من التشريعات غير المتسقة، والتي فشلت في وقف النزيف المستمر للحياة البرية في المملكة.

وأوضحت الدراسة أن ضعف إنفاذ القانون، وتغير الصلاحيات المؤسسية، إضافة إلى أطر تشريعية عفا عليها الزمن، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الأزمة، وأفقدت الأردن تنوعًا بيولوجيًا كان يُعد من الأغنى في المنطقة.

تراث الصيد.. يتحول إلى تهديد

على الرغم من أن الصيد في الأردن يشكل جزءًا من الإرث الثقافي العريق، تعود جذوره إلى العصر الحجري، إلا أن استمرار هذه الممارسات، خاصة في ظل تطور الأسلحة وغياب التنظيم، أدى إلى تدهور خطير في أعداد الحيوانات البرية، خصوصًا بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن الماضي.

فخلال فترة الانتداب البريطاني، ورغم سن أولى قوانين الصيد عام 1933، فإن تسهيل الوصول إلى المناطق الصحراوية عبر البنية التحتية الجديدة، وانتشار الصيد بالبنادق والمركبات، فاقم الضغط على الأنواع البرية.

ورغم إقرار قانون الصيد عام 1957، إلا أنه شرّع صيد بعض الأنواع المهددة، وسمح بقتل الحيوانات المفترسة دون رقابة، ما سرّع من انقراضها.

غياب التشريع الفعّال

وبعد دمج قوانين الصيد ضمن قانون الزراعة عام 1973، وقعت حماية الحياة البرية تحت سلطة وزارة الزراعة، التي لا تملك ولاية صريحة في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي. وأدى ذلك إلى إصدار قوانين تركّز بشكل أساسي على الطيور، مع إهمال الثدييات، وعقوبات ضعيفة، وتطبيق غير فعال.

وحتى مع جهود الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في إعادة توطين أنواع مثل المها العربي والوعل، ظل غياب التمويل وضعف التنسيق بين الجهات الرسمية تحديًا كبيرًا، فيما استمرت المخالفات داخل المحميات نفسها، بما في ذلك قتل 117 وعلًا نوبيًا و23 غزالًا رمليًا عربيًا.

إحصاءات صادمة

تُظهر أرقام الدراسة أن 39% من الثدييات البرية في الأردن تصنّف الآن على أنها مهددة بالانقراض، وتشمل تلك القائمة أنواعًا أساسية في التوازن البيئي، بعضها لم يعد يُرى في البرية الأردنية منذ سنوات.

كما حذّرت الدراسة من أن العقوبات الحالية لا تُشكّل رادعًا حقيقيًا، في ظل تزايد عمليات الصيد غير المشروع والاتجار بالحيوانات البرية.

الأمل في إصلاح بيئي شامل

ورغم قتامة المشهد، تفتح الدراسة باب الأمل من خلال توصيات تدعو إلى إصلاح تشريعي شامل، يفصل حماية الحياة البرية عن السياسات الزراعية، ويضع قانونًا خاصًا بالصيد يتماشى مع المعايير الدولية.

وأشارت الدراسة إلى أهمية تضمين "الحق في بيئة صحية" ضمن الدستور الأردني، لضمان الاعتراف بالتنوع البيولوجي كأولوية وطنية.

ودعت إلى استثمار رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني في التحديث السياسي والإداري، لتكون منصة لإطلاق إصلاح بيئي حقيقي، يعيد للأردن جزءًا من توازنه الطبيعي المفقود.

لكن الوقت يمرّ، فكما خلَت الرمال من آثار الغزلان والفهود، قد يخلو صوت الصحراء قريبًا من همس الحياة البرية، ما لم يتم التحرك الجاد لحماية ما تبقى.