العتوم يحذر من تداعيات خطيرة على أمن الأردن ومصر

 

قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية، الأستاذ الدكتور نبيل العتوم، إنّه في ظل التصعيد الإقليمي والدولي ضد إيران، تبرز استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القائمة على استهداف وكلاء طهران في المنطقة، كخطوة أولى لإعادة تشكيل خارطة ووجه الشرق الأوسط.

ورأى العتوم أن هذه المقاربة، التي تسير بخطى مدروسة من اليمن إلى العراق مرورًا بلبنان وسوريا، لا تهدف فقط إلى تحجيم نفوذ طهران، بل تسعى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والجيوسياسي في المنطقة، بما يخدم تصورًا أميركيًا - إسرائيليًا طويل المدى.

وأوضح أن واشنطن وتل أبيب تنظران إلى النفوذ الإيراني بوصفه شبكة معقدة لا تُدار من طهران فقط، بل من خلال وكلاء محليين يعززون حضورها ويؤثرون في القرارين السياسي والأمني في عدد من الدول العربية. بدءًا من الحوثيين في اليمن الذين يهددون أمن الخليج والممرات البحرية الدولية، مرورًا بالميليشيات العراقية الموالية لإيران، التي تشكل تهديدًا للسيادة العراقية وتمنح طهران عمقًا بريًا استراتيجيًا، وصولًا إلى حزب الله اللبناني، الذي يُعد الذراع العسكرية الأقوى لإيران على حدود إسرائيل.

وأكد العتوم أن استهداف هذه القوى لا يعني فقط إضعاف حلفاء طهران، بل إعادة تقليم أظافر إيران الإقليمية، وإجبارها على الانكفاء إلى الداخل، ما يُفسح المجال أمام مشروع جديد للشرق الأوسط قائم على تحالفات إقليمية – أميركية أكثر تماسكًا.

وفي السياق ذاته، أشار العتوم إلى أن الخطة ترتكز على إعادة رسم التحالفات الإقليمية وفق أسس جديدة، أبرزها تكريس التحالف الإسرائيلي – الإقليمي في مواجهة إيران، وإعادة دمج العراق في المدار العربي – الأميركي، وتفكيك "الهلال الشيعي" الذي يربط طهران ببغداد ودمشق وبيروت، وفرض تسويات سياسية في اليمن ولبنان وسوريا بعد تحجيم أدوات طهران التخريبية.

وأضاف أن نجاح هذه الاستراتيجية من شأنه أن يُنهي عقودًا من التوازنات الهشة، ويؤسس لشرق أوسط تتراجع فيه حتى قوى "المقاومة" التقليدية، ويعلو فيه صوت الأمن والاستقرار المرتبط بالمصالح الأميركية والإسرائيلية، على حساب إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وصولًا إلى تدمير فكرة حل الدولتين بشكل نهائي، وهو ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية لتصفية هذه القضية، بما يترتب عليه من تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي برمته، ولا سيما على الأردن ومصر.

وشدد العتوم على أن انعكاسات هذه الاستراتيجية على العالم العربي تطرح تساؤلات معقدة، تتجاوز حسابات الجغرافيا السياسية والمصالح الآنية. فمن جهة، قد يؤدي تحجيم دور الميليشيات إلى إعادة هيبة الدولة الوطنية في العراق ولبنان واليمن، كما قد يسهم في خفض منسوب التوتر الطائفي والسياسي، ويفتح المجال أمام الاستقرار والتنمية.

إلا أن الصورة، بحسب العتوم، لا تخلو من المخاطر؛ فصعود النفوذ الإسرائيلي كفاعل مباشر في قضايا المنطقة قد يثير مخاوف رسمية وشعبية واسعة، خاصة في ظل التهميش المتزايد للقضية الفلسطينية ضمن أولويات التحالفات الإقليمية الجديدة. كما أن استهداف وكلاء إيران قد يمتد إلى قوى سياسية وطنية معارضة للتوجهات الأميركية والإسرائيلية، رغم عدم ارتباطها بطهران، مما قد يهدد التعددية السياسية في بعض الدول، ويعيد إنتاج الاصطفافات والتجاذبات السياسية بدل تجاوزها.

وختم العتوم قائلاً: "ما يُروّج له ترامب ونتنياهو على أنه ’تحرير للمنطقة من النفوذ الإيراني‘ قد يمثل، في حقيقته، فرصة استراتيجية مهمة، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف عميقة لدى دول المنطقة وشعوبها من سطوة جديدة تُفرض بالقوة والتطبيع والهيمنة الأمنية. فالمعادلة الأساسية تكمن في مدى قدرة الدول العربية على استثمار هذه التحولات لصالح شعوبها، لا أن تتحول إلى أدوات في صراع أكبر بين واشنطن وطهران. فالتغيير الكبير قادم وحتمي، لكن يبقى السؤال الأهم: من سيمتلك القدرة على توجيهه؟ وهل سيكون العالم العربي شريكًا في صياغة الوجه الجديد للشرق الأوسط، أم مجرد ساحة لتنفيذ مشاريع الآخرين على أراضيه؟ وهل سيكون ثمن إضعاف إيران ووكلائها هو تصفية القضية الفلسطينية؟ وعلى حساب من؟"