كمين بيت حانون.. رسالة نارية في التوقيت والمكان
قال الخبير العسكري عمر الرداد، إن المقاومة الفلسطينية نفذت عملية نوعية في بيت حانون شمال قطاع غزة، مستخدمةً تكتيك الكمائن والعبوات الناسفة الذي لم يكن جديدًا على المشهد الميداني الفلسطيني، لكنه جاء هذه المرة في توقيتٍ ومكانٍ يحملان دلالات استراتيجية عميقة.
وأوضح الرداد في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ هذا التكتيك سبق وأن استُخدم في خانيونس ورفح ومدينة غزة نفسها من قِبل حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي، لكن ما يلفت الانتباه في هذه العملية الأخيرة هو مسرح التنفيذ، والمتمثل في أقصى شمال القطاع، المنطقة التي أعلنت إسرائيل مرارًا أنّها "حرّرتها" وأخرجتها من سيطرة المقاومة، مثل بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا، وحتى الشاطئ.
من الناحية العسكرية، يكشف هذا الكمين تصدع الرواية الإسرائيلية حول "تطهير" الشمال، إذ استطاعت المقاومة أن تُعيد إشعال الأرض في قلب منطقة يُفترض أنها خالية من التهديد الأمني، لتوقع خسائر فادحة قُدّرت بمقتل سبعة إلى ثمانية جنود إسرائيليين وإصابة آخرين، وفق اعترافات إسرائيلية متداولة، وفقًا لما قاله الرداد.
أما سياسيًا، ذكر أن تنفيذ العملية جاء متزامنًا مع المباحثات الدائرة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب، وفي أجواء الحديث عن هدنة قريبة، وهنا أرادت حماس أن تبعث برسالة مزدوجة تظهر من خلال التأكيد على أنها لا تزال موجودة وقادرة على المناورة الميدانية، وأنها ترفض أي مقاربة إسرائيلية تسعى لإعلان استسلام المقاومة كشرط لإنهاء الحرب.
ونوّه الرداد إلى أن العملية نفسها حملت بصمة التنظيم والدهاء التكتيكي، فقد تقدّمت قوة إسرائيلية مشاة في طريق محدد، لتنفجر بها عبوات ناسفة أُعدّت مسبقًا، وحين هرعت فرق الإنقاذ الإسرائيلية إلى المكان لإنقاذ الجنود، انفجرت عبوات إضافية، ما ضاعف من حجم الخسائر والإرباك.
وأشار إلى أن هذه العملية النوعية تحمل أيضًا وجهًا آخر، فهي تمثّل سلاحًا ذا حدّين حتى بالنسبة لحركة حماس، ومن ناحية، أثبتت قدرة المقاومة على الاستمرار في توجيه ضربات موجعة، لكن في المقابل، قد يجد نتنياهو فيها ذريعة لتسويق فكرة استمرار الحرب والحاجة لمزيد من العمليات العسكرية والقصف المكثّف، خصوصًا في حال تزامن ذلك مع رشقات صاروخية جديدة تُطلقها الفصائل الفلسطينية تجاه مستوطنات غلاف غزة.
وأردف الرداد أن مآل هذا الحدث يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف المختلفة على استثماره سياسيًا، فهل تنجح حماس والوسطاء – في القاهرة والدوحة – في توظيفه للضغط على إسرائيل من أجل إنجاز اتفاق تهدئة يضمن مكاسب إنسانية وسياسية... أم ينجح نتنياهو في استغلاله لإقناع الإدارة الأمريكية باستمرار العمليات العسكرية، بل وفرض رؤيته حول «اليوم التالي لغزة»، بما يشمل إدارة القطاع عبر العائلات المحلية أو حتى إعادة إحياء خطط التهجير الطوعي؟.