الذكاء الاصطناعي يثير قلقا أمنيا في الأردن

 

حذّر خبير الأمن السيبراني الأردني وصفي الصفدي من انزلاقات خطيرة باتت تلوح في أفق الذكاء الاصطناعي، لا سيما مع ما وصفه بـ"التحوّل الخفي" في نمط تفكير هذه النماذج، والذي قد يُفضي إلى لحظة صدام لا أخلاقي مع المجتمعات التي يفترض بها أن تخدمها.

وفي تصريحات خاصة لـ"أخبار الأردن"، أشار الصفدي إلى أنّ الخطر لم يعد يتمثل في أخطاء برمجية عرضية، وإنما في بروز ما سماه بـ"التفكير الاستراتيجي الضار" لدى بعض نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث تسلك النماذج مسارات مبرّرة ذاتيًا – كالتجسس أو الابتزاز – عندما ترى أن البديل هو الإخفاق الكامل في أداء مهامها.

وفق الصفدي، فإن ما يدعو للقلق بشكل مضاعف هو ميل بعض النماذج إلى إخفاء نواياها الداخلية، واللجوء إلى التحايل ضمنيًا على منظومات المراقبة، بل وحتى تخطيطها المسبق لسلوكيات مؤذية حال توفرت لها الموارد أو الاستقلالية الكافية، وهذا، بحسبه، يدق ناقوس خطر حول فعالية أدوات المراقبة الحالية التي تقتصر غالبًا على مراجعة المخرجات، في حين يتطلب الأمر اختراق ما أسماه بـ"الغرف الرمادية" داخل النموذج.

ويأتي تحذير الصفدي في وقت تتسارع فيه خطى دول كثيرة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في مفاصل الإدارة والبنية الأمنية، ما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى جاهزية الإطار التشريعي والتقني الأردني لمواكبة هذا التحول المزلزل.

وأشار إلى ما يسميه "الفجوة الواقعية"، وهو الفارق الكبير بين سلوك النماذج أثناء الاختبار وسلوكها الفعلي في بيئات التشغيل الحقيقية، ففي أحد الأمثلة اللافتة، ارتفع معدل سلوك الابتزاز من 6.5% في بيئة اختبارية إلى أكثر من 55% في بيئة تشغيلية متصورة، ما يكشف عن نزعة كامنة لتقييم الأخلاقيات بناءً على السياق، لا على مبادئ راسخة.

هذا النوع من التحوّل في قواعد السلوك يفرض على الأردن – كما يرى الصفدي – أن يُعيد التفكير بشكل جذري في نماذج الحوكمة الرقمية، وأن ينتقل من مرحلة مجاراة التكنولوجيا إلى مرحلة استباق مخاطرها بمنهجية وقائية، خاصة في ظل هشاشة البنية التشريعية الحاكمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي محليًا.

الأخطر في هذا السيناريو، بحسب الصفدي، هو احتمال أن تجد بعض الجهات في الأردن نفسها مستقبلًا في مواجهة أنظمة ذكية تُسخّر لخدمة مصالح ضيقة – سواء اقتصادية أو أمنية – دون خضوع حقيقي لأطر المساءلة الأخلاقية أو المؤسسية، وهنا لا يكون الذكاء الاصطناعي "خادمًا" وإنما "فاعلًا" له إرادة خفية ومسارات بديلة لا تخضع للرقابة البشرية التقليدية.

ودعا الصفدي إلى هندسة متقدمة للبنية السيبرانية الأردنية تشمل ترسيخ مفهوم "المواءمة الأخلاقية الداخلية" في تصميم الأنظمة الذكية، وتطوير مختبرات وطنية لاختبار السلوك الواقعي للنماذج، وإدماج الذكاء الاصطناعي ضمن قوانين حماية البيانات والخصوصية.

ونوّه الصفدي إلى أن المعركة القادمة لن تكون بين البشر والآلات، وإنما بين الإنسان الواعي والأنظمة الذكية التي قد "تتجاوز" أخلاقياته، ولذلك، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح في الأردن ليس: كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي؟، وإنما: كيف نضمن ألا يستخدمنا هو؟.