مجالس البلديات.. ردة سياسية عميقة تُربك مشروع التحديث

 

قال الباحث والناشط السياسيّ الدكتور معن المقابلة إنّ التوجه نحو تعيين رؤساء البلديات، ولا سيما في البلديات الكبرى، يعكس ردة سياسية واضحة المعالم وانقلابًا صريحًا على روح المشاركة الشعبية وحق المواطن الأصيل في اختيار ممثليه عبر صناديق الاقتراع.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ هذا النقاش المستجد يأتي في سياق يتناقض كليًا مع الخطاب الرسمي الذي لطالما بشّر بمشروع "تحديث المنظومة السياسية" باعتباره مسارًا استراتيجيًا يُفترض أنّه وُضع استجابةً لمطالب الشارع وحاجات المرحلة السياسية والاقتصادية، مستطردًا أنّ مثل هذه القرارات تنسف جوهر تلك الشعارات وتحولها إلى مجرد كلمات فضفاضة لا تعكس نية حقيقية بالإصلاح.

وأردف المقابلة أنّ المفارقة الأعمق تكمن في أنّ أداء المجالس البلدية، ضمن صلاحيات محدودة وموارد مالية وإدارية شحيحة، لم يكن سلبيًا على الإطلاق، ذلك أنّ العديد من رؤساء البلديات أظهروا وعيًا وحضورًا ودافعوا بشجاعة عن مدنهم واحتياجاتها.

وتساءل: "ما الرسالة التي تُوجّه للمواطن حين يُقال له إنّ تجربته الانتخابية ستُستبدل بتعيينات فوقية؟... وما المغزى الحقيقي من مصادرة حقه بعد أن جرب الانتخاب وخبر تبعاته؟"، وفقًا لما جاء في حديثه لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية.

وأشار المقابلة إلى أنّ الأخطر تجسّد في قرار حلّ المجالس البلدية قبل انتهاء مدتها القانونية بفترة طويلة، واصفًا ذلك بأنّه سابقة غير مدروسة تمسّ بجوهر الشرعية الديمقراطية، إذ تُعطي الوزير سلطة تفوق سلطة آلاف الناخبين الذين منحوها تلك الشرعية عبر صناديق الاقتراع.

وأضاف أنه حين يُسحب البساط من تحت مجالس منتخبة بهذه الطريقة، لا يُضعف ذلك فكرة المجالس المحلية فحسب، وإنما يوجه ضربة مباشرة لمفهوم التمثيل الشعبي، ويفتح الباب لتساؤلات مقلقة حول احترام إرادة الناس، فهل بات صوت الناخب أقل وزنًا من توقيع الوزير؟.

ونوّه المقابلة إلى أن مثل هذه الردّات السياسية لا تبدو منفصلة عن السياق الأشمل، وربما تكون بمثابة تمهيد أو اختبار للمساس بمخرجات لجنة التحديث على المستوى البرلماني أيضًا، ما يعني أنّ حتى قانون الانتخاب ذاته قد يكون عرضة للتراجع، متابعًا أنّ هذا السيناريو يهدد مصداقية مشروع التحديث ككل، ويعيد المشهد إلى مربع "الإصلاح من فوق" الذي لم ينجح تاريخيًا سوى في مراكمة الإحباط وفقدان الثقة.

وذكر أن جوهر المشاركة الشعبية يُختبر في الالتزام العملي بنتائجها، مهما كانت، لا في الانقلاب عليها متى لم تعجب صانع القرار، مضيفًا أنّ التقييم السليم لأداء بعض البلديات يجب أن يكون عبر توسيع الصلاحيات وتحسين الرقابة وتعزيز الشفافية، لا بحرمان المواطن من حقه الدستوري في الانتخاب.

وقال المقابلة إنّ المسار واضح تمامًا، إفمّا السير بثقة نحو تعميق التجربة الديمقراطية وتوسيع المشاركة، وإما العودة إلى الخلف حيث التعيين والمحسوبية وغياب المحاسبة، مع ما يرافق ذلك من تآكل متسارع في ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها.