العثامنة يكتب : وازرع بالإسمنت مداخلها
مالك العثامنة
هناك فيديو تم تداوله نهاية الأسبوع الماضي يتعلق بمشاجرة في أحد أحياء عمان الغربية، انتهت بمحاولات دهس وإشهار أسلحة نارية، والمتشاجرون شباب في مقتبل العمر يسهرون في المحلات المنتشرة بين مساكن المواطنين.
لن نتحدث هنا عن التحليل النفسي للشباب، ونعود لنكرر قصة التعليم والتربية التي نأمل أن تعالجها الدولة في مشروع التعليم قيد الإنجاز للنهوض بجهاز تعليمي وازن.
لكن، فلنتحدث عن ما شاهده الجميع في الفيديو ويعيشه الجميع من تفاصيل في مدينة عمان، وقد ينسحب ذلك أقل قليلا على مدن أردنية أخرى، مثل الزرقاء.
المقاهي ومحلات تقديم خدمات الطعام والشراب متتشرة بين الأحياء السكنية بشكل واضح، وهذا يدعو إلى التساؤل عن آليات الترخيص المهني المتبعة.
القصة ليست بتلك البساطة التي يمكن للقارئ تخيلها، فالمدينة مكتظة بكل ما هو طارد منها، بل وصارت تفقد هويتها "المدينية" في أحيائها القديمة والمعروفة منذ نشأتها الطبيعية قبل بتر تلك النشأة بطفرات سكانية مفاجئة غيرت شكل المدينة العمراني وصارت البيوت العمانية ذات الطابع الكلاسيكي القديم والجميل تذوب وتتلاشى أمام غابات إسمنتية ضخمة، حتى المدارس الخاصة ورياض الأطفال صارت جزءا من عمارات سكنية يقطنها آهلون مضطرون للمشاركة الإجبارية في طابور الصباح والإذاعة المدرسية، طبعا غير انتشار المولات التي سيتم فتح ملفاتها قريبا وبقرار من مستوى عال، لارتباطها بمخالفات وجدت ملاذها في غابات عمان الإسمنتية ذات فوضى.
الأرصفة المخصصة للمشاة غير صالحة للمشي لأن عبقريا ما قرر أن يزرع الأشجار في منتصف تلك الأرصفة الضيقة، والشوارع تبتلعها مواقف ارتجالية للسيارات التي لا تجد مكانا للاصطفاف والاصطفاف المزدوج لقضاء حاجات في محلات تجارية يفترض أن تخطيط بناء عماراتها يشمل مواقف سيارات، لكن المستثمر الذي لا يفكر إلا بالربح "وهذا طبيعي" يجد أن دفع غرامة عدم بناء مواقف أجدى بكثير ماليا من بناء مواقف.
اللوائح والأنظمة في البناء والتراخيص بمجملها كما فهمت من قانونيين تعود للقرن الماضي، وتحديثاتها المستجدة ليست عملية ولا حتى علمية لتتسق مع علوم تخطيط المدن.
مؤسف أن تكون حالة المدينة بهذا البؤس العمراني، والمؤسف أكثر إنكار ذلك بمعسول الكلام والتصريحات المتخمة بأرقام "مضللة" لا تعطي الحقيقة التي يراها الجميع ولا تحتاج أرقاما بالأساس.
كانت هناك تجارب جميلة ومبشرة لأمانة عمان في فترة من الفترات، تم فيها إنجاز مناطق مخصصة للمشي في جبل عمان مثلا، أو ترقيم المنازل والعمارات، وكانت هناك أيضا محاولات مبشرة "لم تستمر" لزيادة مساحات التنفس في المدينة المختنقة عبر مساحات خضراء تم إنقاذها من التوحش الإسمنتي.
اليوم، الحال ليس كذلك، والمدينة مكتظة فوق احتمالها، وطاردة لسكانها بكل مستوياتهم، بسبب كل هذا الخلل والعشوائية وتطبيق الأنظمة والتعليمات وكثرة المخارج "الشرعية والقانونية" التي تنتج كل هذا التشوه.
ماذا يفيدني تطبيق ذكي يعرض لي اللوائح، ويدخلني في متاهات الأسئلة بحثا عن رقم مميز لمعاملة ستنتهي في المحصلة يدويا عند موظفين يتناوبون على المعاملة وصاحبها ككرة تتدحرج، وعند الصندوق تنتهي كل القصة بترخيص قد لا يكون من حقي أن أخذه أصلا؟