الديري تكتب : الفقر في الأردن… وجع صامت في قلب المجتمع
حلا الديري
يظنّ كثيرون أنّ الفقر مجرّد كلمة تُذكَر في نشرات الأخبار، أو رقم في تقارير الإحصاءات السنوية. لكن الحقيقة المؤلمة أنّ الفقر حياة قاسية يعيشها بشر من لحم ودم، لهم أحلام مثلنا، ولهم آمال بسيطة قد لا تتجاوز لقمة طعام دافئة، أو غرفة آمنة تقيهم برد الشتاء وحرّ الصيف
في إحدى زوايا العاصمة عمّان، شاهدت امرأة في الأربعين من عمرها، أمٌّ لأربعة أطفال، فقدت زوجها قبل أعوام قليلة، فوجدت نفسها وحيدة في مواجهة الحياة، بلا معيل، وبلا مصدر رزق ثابت
ما لفت انتباهي في قصتها ليس مجرد الفقر، بل تلك الكرامة الممزوجة بالخجل في عينيها وهي تطلب من المارة بعض المساعدة. قالت بصوتٍ خافت:"أقف هنا لأتمكّن من دفع إيجار المنزل، ولأطعم أطفالي، ليس لي مطلب آخر
هذة السيدة لا تحلم بالكماليات، ولا تتمنى مظاهر الرفاهية، كل ما تريده هو تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. ورغم وجود المدارس الحكومية المجانية، لم يتمكن أطفالها من الالتحاق بها، لأن "المجانية" لا تعني خلوّها من التكاليف. فكل طفل يحتاج إلى حقيبة، ودفاتر، وأقلام، وملابس لائقة، ومصروف يومي، ومواصلات. هذه التفاصيل الصغيرة، التي قد تبدو بسيطة في نظر البعض، تشكّل عبئاً ثقيلاً على أمٍّ مثلها ، تعجز أحياناً حتى عن توفير رغيف الخبز
أطفال تلك السيدة شأنهم شأن آلاف الأطفال في الأردن، حُرموا من حقّهم في التعليم، حُرموا من طفولتهم، ومن أبسط حقوقهم في اللعب والحلم. وبدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة، يخرجون أحياناً للبحث عن عمل بسيط أو للتسوّل في الشوارع، لتأمين لقمة عيش لا تكاد تسدّ جوعهم
هنا، يبرز السؤال المؤلم: مسؤولية مَن هؤلاء الأطفال؟ مسؤولية مَن كرامة أمّ مثل هذه السيدة؟ هل المسؤولية تقع على الدولة وحدها؟ أم على المجتمع كله؟
الفقر ليس عيباً، بل العيب في أن نراه ونسكت، أن نعتاد عليه حتى يفقد قدرته على صدمنا. كل واحد منا قادر، ولو بقدر بسيط، أن يكون جزءاً من الحل. صدقة، مساعدة عينية، حقيبة مدرسية، أو حتى كلمة طيبة، كلها أفعال قد تخفّف من ألم تلك الأمهات وتعيد البسمة إلى وجوه الأطفال
قد تظنّ أنّ يدك وحدها لا تصنع فرقاً، وأنّ عطاءك نقطة في بحر واسع من الحاجة. لكن الحقيقة أنّ كل يد ممدودة، وكل قلب عطوف، هو بمثابة شعاع نور يبدّد ظلمة الفقر، ويزرع في قلوب المنهكين أملاً جديداً
الفقر ليس قدراً نُسلّم به، بل هو جرح اجتماعي علينا جميعاً السعي إلى تضميده. حين نمنح، لا نمنح مالاً فقط، بل نمنح حياة، كرامة، وطفولة مهدّدة بالضياع
لنجعل من إنسانيتنا جسراً نعبر به نحو أردنّ أكثر دفئاً وعدلاً، أردنّ يحتضن زينات وأطفالها، ويمنحهم فرصة حقيقية للحياة. فربما، في يومٍ ما، يروي أحد هؤلاء الأطفال قصته، ويقول: "كان هناك من لم يتركني وحيداً في ظلمة الفقر"